أكثر أنواع الكتابة جاذبيةً هي الكتابة الساخرة، وأكثر الكتّاب رواجاً عند القرّاء هو الكاتب الساخر.
تزداد هذه الحقيقة قناعة ورسوخاً في الأزمنة التي تتكاثر فيها الأزمات وينخفض فيها سقف حرية الرأي، إذ يجد القرّاء حينها ملاذاً عند الكاتب الساخر الذي يستطيع بمهارته الكتابية نقد الأوضاع بمشرط خَفيّ خلف الكلمات والجُمل الكتابية، وتتضاعف حينها شعبية الكتّاب الساخرين فوق ما هي متضاعفة أصلاً عن الكتّاب الصارمين!
هذه الجاذبية للكتابة الساخرة والشغف بالجماهيرية، التي تَعِد بها، تُسقط في فخّها نوعين من الكتّاب:
الأول: كاتب ثقيل دم، لم يعرف في حياته روح الدعابة في نفسه أو في محيطه، وبسبب هذا البُعد فإنه تلقائياً يجهل أركان الدعابة وشروطها وسرّ انتزاع الابتسامة من أفواه الناس. لكنه، رغم ذلك، قرر في لحظة احتياج جماهيري أن يلبس قبعة (الساخر)!
بالطبع سنستطيع توقّع الغلاظة والركاكة، وأحياناً البذاءة، في كتابات هذا الصارم الذي قرر فجأة أن يصبح مهرّجاً.
الثاني: كاتبٌ ساخر فعلاً، ممسكٌ بأدوات السخرية والدعابة، حتى قبل أن يبدأ الكتابة، وحتى في غير موضع الكتابة. لكنه بسبب الإغراء الذي يحققه رواج السخرية عند القرّاء، وعند الناس عموماً، فقد قرّر أن يزيد من خطوط إنتاج السخرية في لسانه ويده، وأن يحقن السخرية في كل شأن يُثار وفي كل موضوع يناقش وفي كل قضية يشارك فيها، مهما كانت صارمة أو شائكة أو حساسة.
اندفاعه نحو الرواج أدى إلى انخفاض ميزان التحكم وازدياد جرعة التهكم عنده من كل شيء، حتى أن الفكرة لم تعد هي الهدف، بل الهدف السخرية أولاً ثم الفكرة ثانياً!
السخرية ليست وجبة، بل هي بهار يوضع على الوجبة ليحسّن طعمها. أما إذا جعلنا السخرية هي الوجبة وجعلنا الفكرة في مثابة البهار، فستنقلب موازين الفهم والقبول لدى القارئ والمتلقّي، وسيقع الساخر المُتكلَف في عاقبة إسرافه.
ثم يجب ألا ينسى الساخرون، في غمار استعراض مهاراتهم، أن هناك خطوطاً حمراء تجاه قداسة الشأن الديني والأمن الوطني ينبغي احترامها وعدم التسلّي بها تحت أيّ إغراء!
إذا وُضعت السخرية في غير موضعها، تحوّل مفعولها من الضحك إلى البكاء ومن الفرح إلى الوجع.