صدر في الشارقة
صدرت رواية «أسنان بيضاء»، للروائية البريطانية من أصول جامايكية زادي سميث في نسختها العربية/ طبعة أولى 2020، عن دار روايات إحدى شركات مجموعة «كلمات»، من ترجمة: أسامة إسبر، من الأعمال السردية التي تغوص عميقاً في طبيعة العلاقات الإنسانية بين البشر بمختلف ثقافاتهم وانتماءاتهم.
تستجلي الرواية مشاعر الحب والبغض، والعادات والتقاليد السيئة التي تصبح في كل المجتمعات سلطة تحول دون فضيلة التعارف والاندماج والتعايش بين البشر بغض النظر عن ميولهم وأشكالهم ومعتقداتهم، وكيف أن الصداقات ومشاعر الحب المختلفة هي بمثابة تمرد على تلك التقاليد لكونها تمارس فعل الاختراق واكتشاف فضاءات جديدة بعيداً عن انطواء الشعوب والمجموعات الاجتماعية على نفسها.
السرد في الرواية يهتم بقضايا العرق والثقافات المتباينة والخصوصيات الاجتماعية والهوية والتطرف بأشكاله المختلفة، والهجرة والتداخل بين الشعوب، والكراهية التي تحاول أن تقف في وجه لقاء الإنسان بأخيه الإنسان، فتلك تبدو بالفعل هي قضايا العصر، وقد قدم العديد من الروائيين تصورات مختلفة حول هذه المفاهيم بروافع فكرية وفلسفية إلى جانب الأبعاد الجمالية، من ضمنهم زادي سميث..
صداقة
تتحدث الرواية عن صداقة قوية جمعت بين شخصين من مجتمعات وثقافات متباينة، وكيف أن تلك العلاقة تشكلت وقويت على الرغم من تلك الفوارق، وتورد دار روايات هذا المقطع من أجل توضيح عوالم الرواية، حيث جاء فيها: «(أسنان بيضاء)، هي حكاية البريطاني آرشي جونز وصداقته العميقة مع صمد إقبال، المسلم البنغالي، منذ أن التقيا كجنديين في الحرب العالمية الثانية، وعبر تتبع عائلتي الصديقين، تأخذنا زيدي سميث عميقًا في تشكّلات المجتمع البريطاني المتعدّد الأعراق. فزواج آرشي الثاني من فتاة جامايكية تصغره كثيرًا ينتج عنه آيري، الفتاة الألمعية ذات الشخصية الغريبة. فيما كان على صمد إقبال أن يتزوّج في سنّ متأخّرة، فقد كان في انتظار زوجته أن تلد! فينجب منها توأم أولاد يأخذ كلّ منهما طريقًا في الحياة: أحدهما طريق العلم، والآخر التطرّف»، ذلك المقطع يضع القارئ في قلب فكرة الرواية وحبكتها، حيث يهتم العمل بمفاهيم معاصرة تؤرق الإنسان في الوقت الراهن، ومنها كيفية إمكانية التكيف، وقبول الآخر، كما تطرح الرواية موضوع العنصرية والأسباب التي تولد التطرف في جميع الأعراق المختلفة، والتصورات التي تحملها كل قومية وإثنية حول ذاتها، وكيف أن شعوب الأطراف لم تستطع أن تتحرر من غضبها تجاه الفترة الاستعمارية بما يولد نوعاً من عدم قبول البشر الذين ينتمون إلى بلاد المستعمر.
اندماج
تركز الرواية بصورة أساسية على عالم المهاجرين، الذين قدموا من بلاد الأطراف، إلى الدول التي كانت تمارس عليهم فعل الاستعمار، ويتابع العمل محاولات هؤلاء القادمين في الاندماج الاجتماعي في تلك البلدان خاصة بريطانيا، والمخاوف التي تحول دون انصهارهم في بوتقة المجتمع البريطاني بشكل أصيل إذ كانوا يشعرون أن ذوبانهم في تلك المجتمعات يفقدهم أصالتهم وهويتهم، ولكنهم رغم ذلك يحاولون العيش هناك وبشكل تدريجي تحدث أشكال وأنوع من المتغيرات ليس من قبل المهاجرين فقط، بل وحتى أبناء البلد الأصلاء الذين يشار إليهم في الرواية ب«القوميين»، لتنشأ الكثير من الأسئلة حول طبيعة تلك التحولات الاجتماعية والثقافية والفكرية، ولحظة الصراع لدى المهاجرين بين جذورهم والحياة الجديدة العصرية، وعلى هامش ذلك كله نرى حياة المهاجرين في لندن، الهندوسي في المطعم، وجزار الحلال في كريكل وود، والمهاجر العراقي في قاعة أوكونيل، ومجانين الشارع على تنوعهم، في سرد يتخلص من زخارف البلاغة الثقيلة، ويعتمد السخرية عنصراً مركزياً، وتلك هي التفاصيل التي صنعت عبرها الكاتبة تلك الأيقونة السردية التي تثير الأسئلة وتحرض على التفكير، وتتقلب في عصور وأزمنة مختلفة من أجل الإجابة على سؤال كيفية تعايش البشر.
أسلوب
برعت الكاتبة في توظيف عدد من الفنيات والأساليب السردية من أجل صناعة هذه الرواية المحتشدة بالرؤى الفكرية، حيث تغوص عميقاً في استكشاف النفس البشرية ورصد الأحداث ومعرفة الدوافع والأسباب التي تنتج عنها الظواهر الثقافية والاجتماعية المختلفة، والكاتبة تتمتع بثقافة عالية أفادتها في تكوين عوالم هذه الرواية حيث قامت بتوظيف منتجات علوم العصر من علم الوراثة الجينية ومكتشفات الجينوم البشري، وحرصت على أن تأتي اللغة السردية بسيطة وواقعية بحيث تشرك القارئ في تلك العوالم المذهلة والعجيبة.
تقنيات
اعتمدت الكاتبة كذلك على قوة الوصف وإظهار المشاعر من خلال الحواريات الذاتية بين الأشخاص، حيث برعت بصورة كبيرة في رسم شخصيات العمل لتعلق في ذهن القارئ، كما عملت على توظيف الفلاش باك «الارتداد في الزمن»، وحديث الذكريات فصنعت العديد من المشاهد والصور المسكونة بالعاطفة والمشاعر المتناقضة بحسب تناقض البشر أنفسهم، ولئن كانت الرواية قد احتشدت بالكثير من المواقف الثقيلة فقد عملت الكاتبة على تمرير ثقلها وصعوبتها عبر توظيف السخرية والكوميديا القاتمة بصورة نقدية خاصة في ما يتعلق بالمجتمعات وحركة البشر داخلها.
صدى
الرواية وجدت صدى كبيراً وسط المحافل الأدبية المختلفة، خاصة أنها تتحدث عن جملة من القضايا وتتناول عدة مفاهيم بصورة مبتكرة، حيث وصفها النقاد بأنها بمثابة رحلة برية رائعة، وكوميديا فائقة محتشدة بالأفكار، واحتفاء حقيقي بالواقعية المجنونة، فيما وصف بعض الكتاب أسلوب زادي سميث بأنه قريب من الكاتبة جين أوستن، وذكر البعض أن هذه الرواية هي عبارة عن عالم شديد الضجيج لا يكاد يهدأ، فهو ممتلئ بالأصوات والأفعال والأحداث والحكايات، وقد أبدى الكثيرون دهشتهم في أن الكاتبة زادي سميث، قد أصدرت هذه الرواية، التي تعتبر أهم أعمالها السردية، وهي في ربيع العمر حيث لم تتجاوز ال 25 عاماً، وذلك يؤكد على ثقافتها العالية وقدرتها الكبيرة في صناعة الأحداث والمشهديات العجيبة، وتبارت الصحف في الإِشادة بالعمل، وذكرت صحيفة واشنطون بوست أن زيدي سميث هي تشارلز ديكنز ما بعد الحداثة، بينما قالت (نيويورك تايمز بوك ريفيو) عن الرواية: «إنها أشبه بمدينة لندن التي ترسمها مأوىً لشخصيّاتها، أصوات كثيرة من شتّى بقاع العالم، نسيج يتنوّع وطبقات كثيرة»، وربما من أجل ذلك الاستقبال المدوي فازت هذه الرواية بثماني جوائز أهمها جائزة صحيفة غارديان، ورُشحت لنيل ثلاث أخرى.
إضاءة
ولدت زادي سميث عام 1975، وهي كاتبة وروائية وقاصة، أصبحت زميلة في الجمعية الملكية للأدب من عام 2002 إلى عام 2016، وكانت قد نشرت خمس روايات، كلها قد تلقت الثناء النقدي. في عام 2003، أدرجت زادي سميث على قائمة جرانتا لأفضل 20 كاتباً شاباً، وأدرجت أيضاً في قائمة عام 2013. وانضمت إلى جامعة نيويورك لبرنامج الكتابة الإبداعية الذي عملت فيه أستاذاً في 2010، واستطاعت الكاتبة المتفردة أن تحصد عدداً كبيراً من الجوائز.
اقتباسات
«كل لحظة تحدث مرتين: في الداخل والخارج، وهما تاريخان مختلفان».
«لقد كان مريضًا جدًا لدرجة أنه لم يعرف كيف يحبني».
«ما الذي جعلنا نعتقد أن أي شخص يفشل في حبنا هو تالف، ناقص».
«تخبرنا بطاقات المعايدة بشكل روتيني أن الجميع يستحقون الحب».
«التقاليد مسكنٌ أشدُّ شرًّا، لمجرد أنها نادرًا ما تبدو شريرة».
«يجب أن تعيش حياتك وأنت تعلم تمامًا أن أفعالك ستبقى».
«الكذبة الشريرة هي أن الماضي دائمًا متوتر والمستقبل مثالي».
«في النهاية، ماضيك ليس ماضيّ، وحقيقتك ليست حقيقتي».
دار روايات