كَتَبَتْ إلى الإنسان الذي لا يقرأ غير الحقيقة، ولو في كلمة تصدق في قولها عندما يقلب الصفحة، ليعيش شيئًا من عمره قبل أن يغلق الكِتاب. فدانت له بأربعة عشر عملاً أدبيًا مختلف الأجناس في الكتابة الإبداعية، من تسعة إصدارات في أدب الطفل منهم عملين مصورين أدرج منها في منهج اللغة العربية بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومؤلف ضمن حقل القصة القصيرة، إلى أربع كتب من النوع الروائي، كُرم فيهم وفاء إخلاصها بـ “جائزة الإمارات للرواية عن فئة الرواية القصيرة” و “جائزة أفضل كتاب إماراتي لمؤلف إماراتي في مجال الإبداع” و”جائزة الدكتور عبدالعزيز المنصور” و”جائزة العويس للإبداع عن أفضل كتاب لأدب أبناء الإمارات” و”جائزة معرض الشارقة للكتاب لأفضل كتاب إماراتي”، وآخرهم وصولها إلى القائمة القصيرة في “الجائزة العالمية للرواية العربية – البوكر” التي ينظمها مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة؛ هي صاحبة الإعتراف عندما أدلت به علنًا: “أنا عندما أكتب، أفكر في الإنسان”، إنها نادية النجار.
حظيت مجلة مرامي الأسرية باللقاء معها على طاولة الحوار وبدأ الحديث بسؤال “كتاب ملمس الضوء هو الإصدار الأخير من بين الأعمال الإبداعية لكِ، فما الذي خبأته هذه الرحلة الأدبية خلف العتمة منذ طرقت عليكِ فكرة النص، وكيف تطور هذا المشروع من التجربة الشخصية إلى مرحلة البحث والتوثيق والتفريغ، قبل أن تنشر دار المتوسط الطبعة الأولى منه في 248 صفحة من الحجم الوسط سنة 2024؟” مُجيبة عن ذلك بأنها قد شغلتها فكرة العمى وكيف يعيش الكفيف في عالم المُبصرين لتبدأ بعدها رحلة طويلة من البحث عن ماهيته وأنواعه وأسبابه، ثم عندما أصبحت الفكرة واضحة بدأت رحلة اكتشاف الضوء وكتابتها حتى وصلت إلى قرابة الربع الأولى منها حيث نظرة الشابة الكفيفة لما حولها في غياب حاسة البصر عبر تطبيق رقمي خاص بالمكفوفين، وأكملت حديثها: ومن هناك تفرعت إلى أمورٍ أخرى مثل الحرب العالمية الأولى والثانية، حتى أنني انتقلت إلى مناطق جغرافية أخرى مثل البحرين والبصرة والمشتى، عبر تاريخ التصوير في المنطقة الذي التقطت معه موضوعاتٍ أخرى لم أكن أتوقعها قبل، فوجدت مثلاً أن تلك الفترة من جائحة كورونا تدخلُ في الحبكة وتتدخل في أحداثها بعد أن أثرت في العالم وأنا واحدة من بين سُكانه. ثم استرسلت قائلة: تصلني أسئلة كثيرة من قبيل؛ من أين أتيتِ بفكرة الرواية؟ لستُ متأكدة حقًا من أين جاءت فكرة الرواية. أظن بأن الروائي عندما يكتب في موضوعٍ ما أو فكرة بذاتها، هو ليس حرًا حرية تامة كما يعتقد، فكل روائي لديه حصيلة فريدة اكتسبها في أثناء حياته وتُسيطر على أفكاره دون أن يُدرك، هنالك أشياء يريد أن يحكيها أو أخرى يريد أن يفهمها أكثر.
وحول سؤال “أعلنتِ انضمامك إلى وكالة رولا الأدبية التي قدمت خطوة مدروسة في المسودة النهائية لتصل بعدها الرواية الإماراتية إلى القائمة القصيرة من الجائزة العالمية للرواية العربية – البوكر- هذه السنة 2025، فهل بات هناك ضرورة ملحة لإتمام خطة منهجية من التنقيح والمراجعة حد التطوير ليكتمل الكتاب المقروء في المكتبة الأدبية اليوم؟” أشارت في إجابتها أن الوكيل الأدبي هو الوسيط بين المؤلف المنتج والجهة المصدرة لأعماله الأدبية ونتاجه الفكري، إذ يعمل على ترويج الأفكار وتسويق الأعمال مع دور النشر وخلافها من الجهات الأخرى، وعلى الرغم من وجوده في الغرب إلا أن المهنة لم تحظَ بالانتشار عند العرب بعد، وأكدت إلى أنه: اليوم أصبح الوكيل الأدبي ضرورة حتمية في ظل عدم مقدرة الأديب على متابعة كل تفاصيل أعماله، لذا في إصداري الجديد قررتُ أن أثمره بالتعاون مع الأستاذة رولا البنا صاحبة وكالة رولا الأدبية.

وفي سؤال “ماذا عن دور الأدب الإماراتي في مؤلفك الجديد – كحبكة الأحداث مثلاً – التي ضمدتها به، وما الذي جد فيه عن غيره من الأدب العربي الحديث؟” ردت الكاتبة الإماراتية أن الأدب الإماراتي هو جزء من الأدبين العربي والعالمي، وهو متأثر بطبيعة الحال في تراثه وثقافته ومجتمعه وهويته الذي يستمد منهم جميعًا فرادته، مُتمنية أن يجد القارىء ذلك كله في عملها المُترشح إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية – البوكر.
و عن سؤال “هل تعتقدين أن الكتابة باللغة الأم تمنح الأديب العربي أصالة لا يمكن أن تتحقق بغيرها، أقد يُعيق الإخلاص للهجة المحكية في الحوارات الدائرة بين الشخصيات المتفاعلة على سبيل المثال الإندماج اليوم مع عصر العولمة في القرن الحادي والعشرون؟” قالت ابنة النجار أن هناك بعض الأدباء العرب الذين كتبوا بلغاتٍ غير لغتهم الأم ووصلوا إلى العالمية بعد حصودها رواجًا أوصلها إلى شريحة كبيرة من القُراء الذين يميلون للقراءة المُختلفة دون لغتهم الأصلية، منهم كُتاب إماراتيين ، وأكملت كلامها أنها ليست ضد أن يكتب الكاتب بأية لغة تساعده على التعبير عن أفكاره، على الرغم من أنها تتمنى أن يكتب الكاتب العربي بلغته العربية: فلا أظن بأن استخدام مفردات محكية في حوارات الأعمال السردية يُقلل من جودة النص أو يعيق الإندماج بل مُهم أن تكون مفهومة من السياق، فقد أضفت الكلمات المحكية في حوارات الشخصيات بأعمال واكتشفت لاحقًا أن عددًا مُعتبر مما لُفظ هو في أصله فصيح.
وعند سؤال “تسعى العديد من كِتاباتك الأدبية على إختلاف أجناس حقولها ومضامين موضوعاتها إلى تقديم منظور مستحدث إبداعيًا عن الثقافة الإماراتية، فكيف يمكن للإصدارات الإماراتية وخاصة الأعمال المترجمة منها أن تُسهم في إغناء الأدب العالمي وتقديم رؤية أوسع عن ماضي وحاضر الحياة في الإمارات؟” قالت في مضمون حديثها أن: كل عمل إبداعي جيد هو إضافة للأدب الإنساني والترجمة تنقله إلى ثقافات مختلفة حول مدن العالم، ولكن من الضروري كذلك أن يكون الانتقال بين الضفتين أي بمعنى آخر أن نترجم من العربية وإلى العربية حتى نتعرف على الآخر ويتعرف علينا كذلك، ولن يحدث ذلك دون ترجمة أعمال إماراتية جيدة من كافة الأجناس الأدبية إلى اللغات الأخرى.
وإلى سؤال “إلى أي درجة من الأهمية يعد ترشح “ملمس الضوء” إلى مسابقة أدبية عامل جذب لمقروئية الكتب الخليجية، وكيف برأيك سيُفعل نطاق قراءته إذا حصد الجائزة في تعزيز التواصل بين الأدبين العربي من جهة والعالمي من جهة أخرى؟” أضافت صاحبة ملمس الضوء: تكمن أهمية الجوائز في دورها على انتشار الأعمال الفائزة حيث يترقب القُرّاء القوائم الطويلة والقصيرة في كافة أنحاء العالم العربي، أما الفوز بأية جائزة مرموقة فله آثار إيجابية كثيرة لعلَّ أهمها ترجمة العمل الفائز إلى لغات مختلفة، حيث ساهمت في دورها إلى تعريف القُراء في أنحاء العالم بالرواية العربية والأدب العربي المعاصر.
مجلة مرامي