لا يُوصف الرحيل المفاجئ للكاتب والأديب الإماراتي ناصر جبران بأنه مجرد فقدان أو خسارة، الوصف الدقيق يتطلب العثور على التعابير الصحيحة التي تتجاوز حالة التعاطف، ثم توظيفها لتخرج عن إطار الكلمات المتداولة في مناسبات العزاء التقليدية.
جبران، حالة فريدة في مجتمع الثقافة الإماراتي، مسيرته الأدبية التي بدأت قبل الاتحاد، وامتدت خمسة عقود، شهد فيها المحيط الثقافي الإماراتي تقلبات وانتصارات وانتكاسات، كان جبران فيها ثابتاً على مبادئه، لم تثنه التقلبات عن دوره التنويري، على الرغم من الأصوات المرتفعة آنذاك للمتشددين والتكفيريين، ثم شهد المحيط الثقافي الإماراتي نفسه انتصارات، لم يبحث معها جبران عن الأضواء، ولم يسع للشهرة.
رحل ناصر يوم الجمعة الفائت، قبل أيام قليلة من موعد حفل توقيع مجموعته القصصية الجديدة «شمس الضفاف البعيدة»، في معرض الشارقة الدولي للكتاب.
وكعادته، لم يرد أن يكون حفل توقيع المجموعة خلال عطلة نهاية الأسبوع. تعلل قائلاً بأنه يكره الزحام. وكل رغباته تنحصر في حفل صغير، أنيق، يقتصر على ثلة من رفاقه الكُتّاب. لم يكن جبران على علم بأن الأجل لن يمهله حتى يوقع الإهداء الأخير.
بعد ليلة رحيل جبران، قصدت جناح دائرة الثقافة في معرض الكتاب، لآخذ نسختي من المجموعة القصصية، صحبتها إلى الفراش أقرؤها، لأجد وصاياه الثلاث سطرها في الإهداء قائلاً: «أولئك الذين يتطلعون لشمس ضفاف بعيدة: أبصروا الله، وأفشوا السلام، وتأملوا زرقة الماء».
ثم وجدته قد كتب في إحدى قصصه: «الناس الراحلون يفارقون الطرقات والحواري والبيوت، ولا أحد من أولئك الراحلين يعود. وحينما سأل الراحلين عن مقصدهم، أتاه الجواب: أهلاً بكم في العالم الجديد، العالم المثالي، حيث منتهى الأمنيات.. والسعادة التي لا يحدها شيء».