حسن مدن لـ« البيان »: المجهول من تاريخنا الثقافي الخليجي أكثر من المعلوم

حسن مدن

يقودنا هذا الحوار مع الكاتب والباحث البحريني الدكتور حسن مدن، حول مؤلفاته القيمة، ومقالاته الفكرية والثقافية البارزة، من خلال كتابه الأخير «حداثة ظهرها إلى الجدار»، ومؤلفات أخرى عن المنطقة، بالإضافة إلى عموده اليومي «شيء ما»، وحديث يتعلق بالمشهد الثقافي في الخليج العربي.

مدن، وهو أحد أهم الشخصيات الثقافية والأدبية على مستوى العالم العربي، عمل طويلاً مديراً لتحرير دوريات ثقافية عديدة، وحاصل على جوائز عربية لكتاباته الفكرية الفعالة، ومشاركاته المتميزة، فكان لصحيفة «البيان» معه هذا الحوار، الذي أكد فيه أن المجهول من تاريخنا الثقافي الخليجي أكثر من المعلوم.

كتابك «حداثة ظهرها إلى الجدار» برأيي هو الأكثر أهمية عن الخليج العربي من بين الكتب البحثية الصادرة عربياً، خلال السنوات القليلة الماضية، بقراءات مميزة وشجاعة عن التحولات الثقافية في مجتمعاتنا… حدث القارئ عن فكرة هذا المشروع الكبير؟

اهتمامي بقضايا الثقافة وتحولاتها في مجتمعاتنا الخليجية ليس جديداً، وسابق لهذا الكتاب. سبق أن صدر لي في العام 2000 كتاب: «الثقافة في الخليج.. أسئلة برسم المستقبل» عن اتحاد أدباء وكتاب الإمارات فترة إقامتي وعملي في الدائرة الثقافية بالشارقة، وحوى مجموعة من أوراق العمل والأبحاث، التي قدمتها في فعاليات ثقافية، تتصل بالشأن الثقافي، تناولت فيه قضايا الثقافة في بلداننا والتحديات التي تواجهها، وكذلك المهام الماثلة أمامها.

أما كتاب «حداثة ظهرها إلى الجدار» فقد انطلقت نواته من بحث، قدمته في ندوة أقامتها مؤسسة سلطان العويس الثقافية في دبي، بمناسبة مئوية ميلاد عميد الأدب العربي طه حسين، وكان عنوان البحث هو: «طه حسين وجزيرة العرب»، انطلقت فيه من عرض وتحليل مبحث العميد بعنوان «الحياة الأدبية في جزيرة العرب»، الذي لاحظ فيه أن الإسلام أخرج الجزيرة العربية من عزلتها.

وفتحها أمام المحيط والعالم، ولكن بانتقال مركز الدولة العربية – الإسلامية إلى الشام أولاً ثم العراق تالياً في العهدين الأموي والعباسي، وما تلى ذلك من عهود سرعان ما عادت هذه الجزيرة إلى عزلة جديدة.

موضوع العزلة هذا حملني على ملاحظة أنها غير مقتصرة على قلب الجزيرة العربية وحدها، خاصة نجد والحجاز، وإنما امتد إلى الخليج العربي أيضاً الواقع شرق الجزيرة، وإن كان لعزلة الخليج أسبابها المختلفة، وهكذا تقصيت أوجهها، ووقفت عند جهود نخبها المتعلمة الأولى في التصدي لهذه العزلة، والسعي لكسرها، وكان هذا سابقاً لاكتشاف النفط فيها بعقود.

في كتابك ذكر للمدارس الحديثة الأولى في مدن الخليج وخاصة الإمارات، ومموليها من التجار المتنورين ومحاولاتهم المتقدمة في بدايات القرن العشرين وقبله، وأسماء لمثقفين غابوا عن الذكر في المناهج، فكيف كانت عملية البحث؟

كان علي أن أعود إلى مراجع ومصادر كثيرة مما كتب عن التاريخ الثقافي للإمارات ولمختلف بلدان المنطقة، وقد أفادتني بالكثير من المعلومات والبيانات، حيث يلاحظ أن التجار المتنورين أسهموا في بداية مرحلة التعليم في بلداننا، ويسرت لهم إمكاناتهم المالية التوجه نحو تأسيس المدارس في بلدانهم، وهو أمر يقدر لأفراد هذه النخبة، الذين أدركوا مبكراً أن التعليم بالذات هو من يعبد للأمم طريق النهضة والتقدم.

هل توافق على أن مجتمعاتنا الاستهلاكية خليجياً وعربياً وحتى عالمياً كانت هدفاً من الأهداف الأولى لشركة الهند الشرقية… فكما أرى أن الوكالات التجارية تكتسح العالم، وشبكة عنكبوتية مسيطرة عصية على السيطرة؟

شركة الهند الشرقية كانت معنية بتأمين طريق الوصول والسيطرة على الهند عبر مياه الخليج. الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية بين القرنين الثامن عشر، والتاسع عشر تنازعت على السيطرة على هذا الطريق، حتى استتب الأمر للإنجليز، وكانت شركة الهند الشرقية هي ذراعهم الاقتصادية البحرية لتحقيق ذلك، وما يشهده العالم اليوم من صراعات هو امتداد للرغبة في الهيمنة في تجليات جديدة.

واليوم، برأيك كيف يصنع الخليجي علاقته بالتاريخ الثقافي الحديث؟

أعتقد أني أشرت في الكتاب إلى أن المجهول من تاريخنا الثقافي ما زال، حتى اللحظة، أكثر من المعلوم، وبرأيي أن جهوداً أكبر يجب أن تبذل سواء من الباحثين أو من الجامعات والمؤسسات المعنية بالثقافة وبالتاريخ في بلداننا للنبش في الصفحات المجهولة من تاريخنا.

فذلك يعيننا على فهم حاضرنا الثقافي، والمجتمعي عامة، بصورة أفضل، ولتبديد الصورة النمطية، التي ظلمت منطقتنا وقدمتها كمجتمعات نفطية فقط، فيما الصحيح هو ما ذهب إليه الدكتور محمد غانم الرميحي في عنوان أحد كتبه من أن «الخليج ليس نفطاً» فقط.

المقال اليومي له أهمية وشعبية كبيرة في الصحافة، وهو الأقل سرية في الطرح، فهل تعتقد بسبب حرية التعبير التي يتمتع بها كتاب الأعمدة اليومية؟

المقال اليومي متنوع، وتتفاوت جودته بين كاتب وآخر تبعاً لتكوينه الثقافي وخبرته ومهارته في الكتابة، وكلما نجح كاتب المقال في ملامسة ما يهم القارئ أو يثير فضوله، فأقام بينه وبين هذا القارئ علاقة ممتدة، وعلينا التذكير بأن المقال، بما في ذلك اليومي منه، هو جنس أدبي شأنه شأن أجناس الأدب الأخرى، ولكي ينجح المقال على كاتبه مراعاة ذلك.

ما أكثر القضايا التي تحب طرحها في المقال اليومي؟ وكيف تحدد المواضيع أمام جمهور مختلف؟

منذ بدايتي في كتابة زاويتي اليومية «شيء ما» في جريدة إماراتية محلية، ربما في العام 1996 أو العام الذي تلاه حرصت على أن يكون مقالي متنوعاً، وألا أحبسه في دائرة مغلقة، فأنا أتناول قضايا الأدب والثقافة والتاريخ ومستجدات السياسة عربياً ودولياً، وأسعى للاقتراب من عوالم الإنسان الروحية، كما يفعل الأدب، وطبيعي أن يكون دليلي.

وكذلك عدتي في ذلك ميولي الثقافية واهتماماتي في القراءة والخبرات، التي اكتسبتها من محطات حياتي المختلفة، وهذا ما أعانني، ولا يزال، على أن يبقى المقال منوعاً، ما أتاح لي بالنتيجة مخاطبة شرائح مختلفة ومتنوعة، من القراء، ومن أجيال مختلفة.

وهل يأتي ببالك أحياناً أن المقال اليومي نوع من الكشف للكاتب، نوع من اليوميات أو مذكرات أو تأمل، أو حتى طريقة تفكيره.. وأحياناً يسلط الضوء على ذاته…؟

في الكتابة اليومية بالذات شيء من اليوميات، لكنها ليست كذلك تماماً، أو ليست كذلك فقط، فهي أشمل وأوسع كما أشرت أعلاه، وحين أتحدث عن تجربتي في كتابة المقال فإني أتفق مع ما ذهب إليه السؤال حول أن كثيراً مما أكتبه في المقال ينطوي على شيء من التأمل وملاحظة التفاصيل.

فكونك معنياً بالبحث عن فكرة كل يوم كي تكتب حولها عليك استنفار كل حواسك وقدراتك للعثور عليها، وحين تنجح في ذلك يتعين عليك ساعتها أن تحولها إلى كتابة، إلى مقال. الأصعب في المقال اليومي ليس كتابته بحد ذاتها، إنما الإمساك بالفكرة التي تلهمك لكتابة المقال.

ما تعليقك بأن الحداثة في جوهرها (تجديد دائم، ونفي مستمر)؟

أوافق على ذلك. الحداثة ليست منجزاً نهائياً نقف عنده، ونقول ها قد بلغنا الحداثة، فكل شيء في الدنيا هو في حال من التطور والتجدد، وما كان حديثاً يوماً ما يأتي العلم والتطور بما هو أحدث منه، وعلى الأمم النابهة أن تجعل من ذلك مرشداً لها، وما ينطبق على الأمم ينطبق على الأفراد المشتغلين بالفكر والثقافة أيضاً.

وما المشروع القادم للدكتور مدن؟

في الذهن أكثر من مشروع أعمل عليه حالياً بتأنٍ، كونها مشاريع تحتاج إلى وقت، ولكن أشير هنا إلى أن كتاباً جديداً سيصدر لي قريباً عن دار «روايات» في الشارقة بعنوان: «في مديح الأشياء وذمها».

جريدة البيان