دهن عبد الحميد أحمد

يوسف ابو لوز

«الدهن في العتاقي» مثلما يقولون في الأمثال الشعبية، والكاتب عبد الحميد أحمد واحد من أهم «عتاقي» كتّاب القصة القصيرة في الإمارات والخليج العربي منذ مجموعته الأولى «السباحة في عيني خليج يتوحش» التي صدرت طبعتها الأولى عن دار الكلمة في بيروت في عام 1982، ليتبعها بإصدار مجموعته القصصية الثانية «البيدار» في عام 1984، ثم يصدر في عام 1992 عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات مجموعته الثالثة «على حافة النهار».

على الرغم من أن الصحافة كما يبدو قد أكلت عبد الحميد أحمد في دوران مطبخها اليومي القاسي، إلا أن اسمه القصصي ظل يشبه نبض القلب الذي يرفض التوقف عن الحياة، رغم توقفه عن كتابة أو نشر القصة القصيرة، فما من مؤرّخ أو موثق صحفي أو تخصصي للأدب الإماراتي الحديث وبخاصة القصة القصيرة إلا وعليه أن يقرأ عبد الحميد أحمد، ويقرأ جيله الثمانيني، جيل الواقعية الأدبية.

أكتب كل ذلك بعدما قرأت قصة «المطور العقاري» لعبد الحميد أحمد المنشورة أمس في «الخليج» والتي تتحدث عن فشل شخص في الحصول على الثروة من خلال سعيه إلى البيع والشراء في سوق العقارات أو بيع الأراضي والوحدات السكنية، ويضطر في كل مرة إلى أن يقف في طابور طويل ويشعر خلال ذلك بالإهانة والفشل، ولكنه لا يكف عن المحاولة وراء المحاولة لعله يجمع ثروة يحلم بها.

ها هو، إذاً، عبد الحميد أحمد صاحب الدهن العتيق يعود إلى كتابة القصة القصيرة، وهي عودة مفرحة خاصة لكل من تابع الحيوية الأدبية الإماراتية منذ ثمانينات القرن العشرين وإلى اليوم، يعود عبد الحميد أحمد إلى القصة القصيرة واقعياً، مباشراً، إنسانياً، بالضبط كما كان قبل نحو أربعين عاماً، حين نشر قصته «الطائر الغمري» في عام 1983، وحين سبح آنذاك في عيني خليج يتوحش بظواهر الثروة السريعة ومتطلبها النفسي والثقافي، التي تحوّل الإنسان إلى رقم ضعيف مُحبط في طابور انتظار يتصبب عرقاً. أرجو أن يعود عبد الحميد أحمد إلى كتابة القصة على نحو أكثر شمولية ثقافية وأدبية، هو ومن سكت من أبناء جيله الإبداعي، فما أكثر طوابير أولئك البشر الذين يتصببون عرقاً في سوق الثروات التي لا تتحقق في معظم الأوقات إلا لمن يعرف جيداً من أين تؤكل الكتف، وصاحبنا بطل قصة عبد الحميد يبدو أنه لا يعرف الأكتاف، ولا يعرف حتى كيف يأكل.

جريدة الخليج