كنتُ أستمع إلى وردة الجزائرية «رحمها الله»، وهي تبدع في أغنيتها ذائعة الصيت «خليك هِنا» وتمعّنت كثيراً في صوتها الذي حمل كلمات الشاعر الغنائي محمد حمزة، وألحان ملحن الروائع بليغ حمدي، عبر أثير الإذاعات والحفلات. ونحو قلوبنا التي وجدت نفسها تدخل في ذاكرة قد لا تجد من يستثيرها في تلك اللحظة ليأتي صوت وردة ليحيل الذاكرة إلى جمرة متقدّة تعود للماضي، وتسترجع الذكريات وتعيش اللحظات، فتبكي تارة، وتسخرُ أخرى، كل ذلك تفعله كلمات أغنية وصوت قلمّا أن يجود الزمن بمثله دفئاً وأناقة وحضوراً جميلاً.
أقيس على ذلك الكثير من الأصوات التي تسكن في ذاكرتنا، ونسكن في أصواتها ليس بدءاً بسيدة الغناء العربي أم كلثوم، أو انتهاءً بأصواتٍ جميلة قليلة ما زالت تُطربنا ببعض الأعمال الفنية الغنائية على الدقة التي تُرضي الذائقة ونتعايش معها، فيأخذنا بعضها نحو الزمن الذي عشناه حيث الأصوات الحقيقية التي كانت تلامس مستمعيها أو مشاهديها في ذاك الوقت بكثير من الود والجمال.
أحلى الأيام فعلاً هي تلك التي عشناها بتفاصيلها وشخصياتها ومواقفها التي كانت تؤثر فينا كثيراً ونتعامل معها بالوفير من الحب، والعميق من الامتنان، كانت هناك علاقة إنسانية تربطنا حتى بممثلي وممثلات الزمن القريب الماضي، فنحن نشعر بأنهم أصدقاؤنا الذين اختارتهم لنا مهنهم فكانوا الأقرب إلينا بما قدموا من أعمال من كثيرين حولنا، وإن كنّا لا نعرفهم ولا نُحبهم إلاّ من وراء الشاشات، حتى شاشات ذاك الزمن كانت غير، دافئة وهادئة، وتحترم أوقاتنا واحتياجاتنا الإنسانية البسيطة. حياة جميلة، وأدوار لعبناها وعشناها وأصواتهم ترافقنا حتى عند مراجعة الدروس كانوا يحضرون، أم كلثوم، عبدالحليم، صباح، أبوبكر سالم، محمد عبده، طلال مداح، فيروز، شريفة فاضل، لطفي بوشناق، علي بن روغة، ميحد حمد، وغيرهم ممن عاشوا معنا، وعشناهم أجمل الأصوات وأرق الأصدقاء، لم يشغلونا عن دراسة، ولم يسببوا ضوضاء، كانت هناك لغة تفاهم بيننا، لا يعرفها أحد غيرنا، تلك اللغة كانت الحب بأشكاله الجميلة الوهّاجة.
أعود إلى وردة الجزائرية والسؤال الذي استفزني في حضور صوتها الباقي في القلب، ترى ماذا سيحملُ الجيل الجديد في ذاكرته من أغنيات وأصوات هذا الزمن الذي اختلت فيه الكثير من المعايير والموازين الفنية التي كانت الضابط لكل شيء، من حيث الكلمات والألحان المتزنة الجميلة وأصوات المؤدين من مطربين كان لهم حضورهم الذي رافق شبابنا وما زال رفيق الذكريات، وصديق الأوقات الجميلة الوهّاجة.
جريدة الاتحاد