كل المجتمعات المتقدمة تحاول بعد مرور سنوات على تجاربها في بعض القطاعات أن تغربل التجربة، وتعيد التخطيط وفق تطورات الحياة ومستجدات الأشياء فيها، ومقارنتها بتجارب الأمم الأخرى المتقدمة، وهذا بالتأكيد أمر صحي ومحمود، لأن إعادة النظر في التجارب التي تخوضها المجتمعات تدفعها إلى الأمام دوماً، والخطو نحو المستقبل وهي محملة بتراكم الخبرات، وساعية لبناء صفوف قيادية جديدة، تأخذ مبادرة التغيير والتجديد على أسس وثوابت قيم المجتمع وروحه وشخصيته وهويته الوطنية.
لذا، وبعد تجربتنا التي امتدت لأكثر من ستين عاماً، علينا أن نطرح وبجرأة فكرة تصحيح بعض المسارات في تجربتينا الثقافية والإعلامية، لأنهما من أهم الأجنحة التي تحلق بها المجتمعات، وهما حارستا هوية وشخصية المجتمع، ورافدتاه نحو السير في عجلة ركب الحضارة الإنسانية، ونحن لا شك في أننا قطعنا شوطاً طويلاً وجميلاً من التأسيس والتمكين، ونريد أشواطاً جديدة نحو التميز والريادة، وصنع الفرق، قاصدين أموراً تتعدى المحلية إلى النطاق الخليجي والعربي وحتى العالمي، ولدينا من الطاقات والمواهب، وأصحاب المشاريع الثقافية الشخصية الكثير، فقط هم بحاجة للدعم والوقوف خلفهم، مادياً وأدبياً وإعلامياً، بحيث نعد أي مشروع ثقافي أو إعلامي شخصي، يخص المجتمع والوطن، وعلينا التسويق والترويج له، لأن الفرد كثيراً ما يصنع الفرق للأوطان والمجتمعات، ولا أحد مثل المبدعين يفعل ذلك.
لدينا كتّاب وإعلاميون وأدباء وفنانون؛ موسيقيون ورسامون وسينمائيون، ومواهب فنية مختلفة في مجالات مختلفة، وينجزون أعمالهم وفق إيقاعهم وإمكانياتهم المحدودة، فيستهلكون كثير الوقت، وعظيم الجهد، لأنهم يتعكزون على إمكانياتهم الشخصية فقط، وحتى مشاركاتهم الدولية لتمثيل الإمارات كثيراً ما تكون على حسابهم الشخصي، حيث لا مظلة تجمعهم أو سقف يحميهم ويحتضنهم، وهناك دول سعيها اليوم في هذا الجانب أصبح مخيفاً، وقابلاً لأن يتسيد المشهد، وهناك مهددات للمجتمع كثيرة، ولا نستطيع أن نقف أمامها إلا بتبني الثقافة طريقاً وجسراً للآخر، وتزكية الإعلام ليكون حال من نكون، وماذا نريد أن نكون، وتقديم شخصيتنا، والترويج لمنجزاتنا، وعطاءاتنا ومساهماتنا من أجل الإنسان، وخير الحضارة الإنسانية، ولا مجال لتكرار الأخطاء السابقة بتقليد التجارب الإعلامية والثقافية الأخرى، لأن المجتمعات لا تتشابه، ولا يمكن نسخها بطريقة جديدة، وما يصلح لـ«نتالي»، لا يصلح لـ«غريسة»، ولكل مجتمع مظاهر اجتماعية لا تصلح للجميع، ولا يمكن أن يستسيغها الجميع.
إن غربلة التجربة برمتها في الشأن الثقافي والإعلامي أصبحت ضرورة، وحتمية، لأننا لا نريد أن ندور في نطاق السنوات الستين التي مضت، بكل منجزاتها وسلبياتها وإخفاقاتها وعثراتها، ولا نريد أن تكون الثقافة والإعلام هما حلقتي الضعف في خاصرة المنجزات والنهضة الشاملة والتطور المستدام الذي تخوضه الإمارات وهي تدرج لعمرها السبعين، لأنهما الأساس وجزء من مداميك تثبيت المجتمعات في سيرورة التاريخ وصيرورته.
Menu
- 0097142243111
- info@alowais.com
- Sun - Thr: 9:00 - 16:00