مصري في فيتنام

حسن مدن

بالنسبة لمن هم في أعمارنا فإن اسم فيتنام حين يرد تحضر إلى ذاكرتهم ما كانت تعنيه عندما كانوا شبّاناً. شعب قاتل مستعمريه الأمريكان بالسلاح حتى هزمهم، رغم ما ارتكبوه من فظائع بحق هذا الشعب. كما يحضر اسم جين فوندا التي كانت في مقدمة المحتجين في شوارع أمريكا على الحرب. أول مرة سمعنا فيها بقنابل النابالم أتت من فيتنام، التي كانت الطائرات الأمريكية تلقيها على المدن والقرى، فتحرق أجساد البشر، ويومها انتشرت صورة لطفلة صغيرة تركض في أحد الشوارع ونار القنبلة تشتعل في جسدها. قُدّر لهذه الفتاة أن تنجو رغم ما أصاب جسدها من تشوهات، وأذكر أني قرأت مقابلة صحفية معها بعد أن كبرت وأصبحت امرأة لديها عائلة تحدثت فيها، بألم، عن تلك التجربة المريرة.
في فترة الكفاح ضد الأمريكان كنا نسمع في نشرات الأخبار ونقرأ في عناوين الصحف اسم أهم مدينتين في فيتنام: هانوي عاصمة الشمال، وسايغون عاصمة الجنوب. سايغون تحوّل اسمها اليوم إلى «هوشي مينه» اسم القائد الذي قاد بلاده نحو الاستقلال، رجل تمتع بكاريزما رغم تواضعه في مظهره وسلوكه، ما يذكّرنا بالمهاتما غاندي، فيما احتفظت هانوي باسمها لتصبح عاصمة البلاد، أما سايغون، «هوشي مينه» حالياً، فأصبحت العاصمة الاقتصادية.
لم أزر فيتنام ولم أر لا هانوي ولا هوشي مينه. صديق زار البلاد مرّة فأحبّها، وأصبح يكرر زياراته لها، حكى لي بعض ما رأى هناك بكل حبّ، وأنشأ لديّ رغبة في أن أزورها ذات يوم. ومما حكاه قصة أربعيني مصري غادر بلاده وهو شاب إلى الولايات المتحدة بغرض الدراسة، فأقام هناك واستقر.

ذات يوم قرأ إعلاناً عن الحاجة إلى مدرسين للغة الإنجليزية في فيتنام، راق له الأمر، فقدّم طلباً وقُبل طلبه، ليجد نفسه في المدينة التي تحمل اسم هوشي مينه، معلماً لشبان وشابات فيتناميين اللغة الإنجليزية.

نسينا القول إن صاحبنا الأربعيني المصري شغوف بالموسيقى منذ صغره، وحمل هذا الشغف معه وصقله في أمريكا، ونقله معه إلى فيتنام التي أحبّها وقرر العيش فيها. لا نعلم إذا كان الرجل قد كفّ عن مواصلة تدريس اللغة الإنجليزية أو أنه جمع بينه وافتتاح مطعم في المدينة التي باتت وجهة سياحية مفضلة للسياح من مختلف بلدان العالم. وبسبب شغفه بالموسيقى، أتاح لفرق الهواة من الموسيقيين أن يعزفوا ما يحبّون من موسيقى أمام رواد مطعمه. كل ليلة تعزف فرقة مختلفة. في ليلة يسمع الحضور عزفاً على البيانو، وفي أخرى عزف الساكسفون، وفي ثالثة الغيتار، وفي رابعة الكمنجات، وهكذا. حقق الرجل للهواة حلمهم في أن يسمع الآخرون عزفهم ويختبروا تلقي الجمهور لما يعزفون.