تكريم العويس.. تكريم لذائقتنا
ففي إعلانها الأخير. أثارت مؤسسة العويس في نفسي الكثير من الاعتزاز والشجن، وربما هو حال الكثيرين أيضاً من أبناء جيل تربى على مثل هذه الأسماء وكأن هذا التكريم بالإضافة إلى تكريم مسيرة هؤلاء هو تكريم أيضاً لذائقتنا واعتراف ضمني بأننا رافقنا تلك المعارف المؤثرة في المشهد الثقافي العربي.
إن الأسماء الأربعة مجتمعة شكلت كلاً في تخصصها بعداً معرفياً أصيلاً، والأجمل من ذلك هو النزوح نحو التجريب والبحث، وهذا مؤشر مهم في ترجمة نوعية الاختيارات التي تضطلع بها مؤسسات الأدب، فأغلب المؤسسات تكرس المفاهيم التقليدية، أكان ذلك على مستوى الكتابة الإبداعية، أو الكتابة النقدية الأكاديمية بل وتستبعد في خياراتها التوجهات الفلسفية، وباستطاعة المتابع للشأن الثقافي أن يلقي نظرة على اشتراطات المشاركة في الجوائز العربية، ليرى بنفسه هذا التكريس لأشكال الأدب والإبداع.
ولذلك فإن مثل هذه الاختيارات بمنزلة إعادة الاعتبار للأشكال الحديثة المتمردة على القوالب السائدة في الكتابة الابداعية والنقدية وهو دور مهم لكسر هيمنة التقليد الذي أصلته ثقافة بعض المؤسسات الأدبية والإعلامية.
شخصياً.. شكل لي الإعلان عن هذه الأسماء مجتمعة امتناناً عجيباً، فهو كما قلت سابقاً تكريم لذائقتنا نحن الذين بدأت تتشكل تجربتهم مطلع التسعينات. مطلع تشكل السردية العربية الجديدة وربما هو مطلع تأثير هذه الأسماء على أجيال جديدة بأكملها.
فالمفكر عبدالسلام بنعبد العالي، كنّا نسرق كتبه سرقة مباحة من جموع الأصدقاء، وكنّا نبحث عن دار توبقال للنشر في أروقة معارضنا المحلية أو تلك التي يسافر إليها الأصدقاء من حين إلى آخر، الصديق عبدالله إبراهيم أيضاً هو الآخر فتح أمامنا قراءة السرد ليس على هيئته التقليدية، أما الشاعر حسن طلب، بقلة إصداراته فقد كان مثار الجدل في أروقة الكتابة الحديثة.
أما أمين صالح.. فنعم، لقد تأخر هذا التكريم كثيراً، لكنه يأتي الآن من أعرق المؤسسات الثقافية عربياً. تشكل تجربة أمين صالح بالنسبة لي ملاذاً آمناً للتهور في الإبداع. إنه يمسك بغيوم المخيلة، وكأنها قطن في يديه. الأدهى من ذلك أن تشترك المخيلة في ملامسة القلب، إنه يذهب هناك.. حيث الأقاصي البعيدة لكنها قريبة من الروح. هل صادفت أن تكون لوحات «سلفادور دالي» على هيئة كتابة ذلك هو أمين صالح.
أسرد كل ذلك، وأنا ممتن لأمين ورفاقه المكرمين في هذا التكريم الاستثنائي، فهو كما قلت ليس تكريماً شخصياً، بل هو تكريم لذائقتنا أيضاً. فشكراً لمؤسسة العويس.
جريدة الخليج