تاريخ الشعر الفصيح في الإمارات

ابراهيم-الهاشمي

تعارف أغلب الباحثين والدارسين لتاريخ الشعر في الإمارات على أن أقدم ما وصلنا إلينا من الشعر الشعبي هو شعر الماجدي بن ظاهر، هذا بالنسبة للشعر الشعبي الذي حظي بالعديد من الدراسات والأبحاث التي تناولته وتناولت تاريخه وحقبه وفنياته وأنواعه، أما الشعر العربي الفصيح فحتى الآن لا زال الأمر غير واضح بشكل جلي، والدراسات أو الأبحاث في هذا الجانب لا تشفي الغليل، وتظهر مدى ما تعانيi المكتبة الإماراتية والعربية من شح وقصور فيما يتعلق بالدراسات المتخصصة في تاريخ الشعر العربي في الإمارات والذي لا يمكننا من تحديد دقيق وواضح وموثوق لأقدم النصوص التي يمكن الوصول إليها من الشعر الفصيح في الإمارات.

الدكتور أحمد أمين المدني يرحمه الله لم يذكر أي شيء يمكن أن يعتمد عليه في كتابه ” الشعر الشعبي في الإمارات العربية المتحدة نشأته وتطوره ” إذ خصصه بشكل كامل حول الشعر الشعبي بالرغم من تناوله في المقدمة بعض الملامح العامة حول الشعر والعوامل الجغرافية والاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية، إذ ركز على العوامل المؤثرة في الثقافة دون تفصيل للحياة الثقافية والشعرية، أما الباحث الشاعر أحمد راشد ثاني رحمه الله فتناول بتفصيل كبير ومتميز في دراسته ” الغير منشورة ” و التي كانت بعنوان ”  الشعر الفصيح في الإمارات من القرن 17 حتى العقود الأولى من القرن 20 ”  محاولاً  الوصول إلى أقدم ما قد يمكن الوصول إليه من خلال الوثائق والمخطوطات التي أستطاع الاطلاع على محتوها من قصائد فصيحة لشعراء الإمارات متناولاً بالدراسة  والعرض بعض المنظومات لشعراء قدامى من الامارات تعود للقرن السابع عشر حتى القرن العشرين، ذكر بعض الشعراء منهم محمد بن صالح المنتفقي ومحمد بن حسن المرزوقي وعلي بن محمد الشحي ومحمد بن حمود الشحي ويوسف بن رويسم ويعقوب الحاتمي وحماد بن سعيد و سالم بن عبدالله الكراني وغيرها من الأسماء التي اوردها لشعراء تلك الفترة الزمنية محاولاً في تلك الدراسة التي قد تكون الأكثر عمقاً في محاولة الوصول إلى اقدم ما يمكن الوصول إليه حول الشعر الفصيح في الإمارات، والشعراء الذين كتبوا باللغة العربية الفصحى، والجدير بالذكر أن الباحثة عائشة المهيري نشرت في مجلة الظفرة العدد السابع منها سنة 2007 قصيدة تحت عنوان تائية البستكي للشاعر عبدالرحيم البستكي نظمت سنة 1901 عثرت عليها في مخطوطة شعرية قديمة مؤرخة بتاريخ سنة 1921، وقد كشف الباحث ثاني بن عبدالله بن صقر المهيري في دراسة بحثية له أن الشيخ أبو فلاح محمد بن محمد بن علي الياسي مؤسس إمارة بني ياس في القرن العاشر الهجري الذي يوافق القرن السادس عشر للميلاد له قصائد بالفصحى كتبت بالشعر الهلالي القريب من الفصيح ويعتبر بذلك أقدم ما قد تم الوصول إليه من الشعر الفصيح في الإمارات.

الدراسات التي تناولت الشعر الفصيح في الإمارات قليلة بالرغم من مرور ما يزيد على 50 عاماً على تأسيس الدولة، ولا نجد حينما نبحث إلا بعض المقالات أو الدراسات القصيرة حول نتاج بعض الشعراء خصوصاً شعراء جماعة الحيرة الأدبية ، لا نستطيع أنكار دور مجموعة من الباحثين الذين اثروا الساحة بما كتبوه من أبحاث ومقالات ودراسات مثل عبدالغفار حسين وبلال البدور الذي بذل جهداً مميزاً في إصدار موسوعة شعراء الإمارات  التي صدر منها الجزء الأول حتى الآن والذي يتناول الشعر العامودي، ويوسف حطيني في كتابه ” الشعر الإماراتي ” والدكتور يوسف نوفل في كتابه ” شعراء دولة الإمارات العربية المتحدة دراسة وببليوجرافيا ” والدكتورة مريم الهاشمي في كتابها ” تطور الحركة الشعرية – جماعة الحيرة ” وأحمد محمد عبيد في كتابه ” الشعر الإماراتي   المعاصر ” والدكتور نزار أباظة في كتابه ” الاتجاهات الأساسية للشعر الحديث في دولة الإمارات والدكتور هيثم الخواجة في كتابه ” مدخل إلى قراءة القصيدة المعاصرة في الإمارات” وشاهين ذياب في كتابه ” الشعر الإماراتي الحديث – قراءة سيميائية ظاهراتية تأويلية في شعرية النص ” وغيرهم من الباحثين والدارسين، لكن هل يشفي ذلك الغليل، فيصل بنا إلى صورة واضحة لتاريخ الشعر الفصيح في الإمارات وبدايات القصيدة العامودية ومتى كانت انطلاقة شعر التفعيلة وعلى يد من من الشعراء؟ هل هو الدكتور أحمد أمين المدني أم الشيخ صقر بن سلطان القاسمي؟ وإرهاصات بدايات ظهور قصيدة النثر في الإمارات، وهل هناك ما يمكن تسميته وتقسيمه إلى أجيال شعرية، أم أن هناك تداخل يصعب معه وضع صورة واضحة للأجيال المتعاقبة من الشعراء سواءً ما قبل الإتحاد أو بعده.

الدراسات التي صدرت جهد مشكور لكنها لا تكفي لإعطاء صورة واقعية وحقيقية للشعر في الإمارات سواءً من ناحية المراحل الزمنية او المدارس الشعرية أو فنيات النص الشعري، إذ يدور جلها في فلك عام لم يصل لصلب وقالب وواقع الشعر المكتوب باللغة العربية الفصحى في الإمارات، قد يكون ذلك لندرة المخطوطات والوثائق وعدم الاهتمام بذلك التوثيق من جهة أخرى، وهنا لابد من دعوة كليات الآداب بالجامعات المختلفة في الإمارات إلى توجيه طلاب الدراسات العليا إلى تقديم دراسات تتناول كل ما يتعلق بالشعر الإماراتي الفصيح والاجتهاد في البحث بين سطور الوثائق والمخطوطات عن ما يمكن أن يشكل إضافة جديدة وحقيقية لتاريخ الشعر والثقافة في الإمارات.