حضن الوادي والجبل

ابراهيم مبارك

قبل أعوام، كان حضن الجبل يشتكي من الجفاف، جفت البحيرة الصغيرة التي تمتد عند أقدام الجبل الصاعد في شموخ والذي تعتليه لوحة تُشاهد من بعيد، كلمة واحدة فقط دالة على المكان، لامعة بيضاء تناجي السماء والنجوم وتهدي كل قادم من بعيد، هنا جمال الطبيعة، هنا الجبال الشامخات، هنا واحة ووادٍ وبحيرات غاية في الجمال، تزداد روعتها كلما جاء الشتاء أو هطلت الأمطار، حتى أمطار (الروايح)، تزيدها إشراقاً، إنها (حتا) وكفى أن تصل الصورة الجميلة في هذا المكان البهي.. ينساب الماء المتدفق من الجبال وهاماتها العالية، يأخذ مساره المتشعب، يُكوِّن بحيرة كبيرة خلف السد القديم الذي أصبح الآن رائعاً وجميلاً بعد الكثير من التوسعات وتحويله إلى معلم سياحي جميل يأتيه المحبون للطبيعة من كل أرجاء الوطن، محطة استراحة جميلة تجمع بين البيئة الطبيعية والتلال والمرتفعات الجبلية، والأشجار من مختلف الأنواع، ترويها المياه الوفيرة فتزداد اخضراراً وانتشاراً على هذا السد الجميل. 
بعد السد تمضي المياه في سيرها المتعرج، حتى تستقر عند أقدام الجبل الرابض خلف الوادي، ذلك الجبل الناهض عالياً حاملاً اسم هذه المنطقة الجميلة، والمرحبة بالناس والمطر، فقط كلمة واحدة تستقر فوق شموخ الجبل: (حتا). قبل أعوام زرت هذا المكان، كان يستجدي الغيث، حيث تزداد حرارة الطقس في هذا الفصل، فتموت الأشجار التي تنبت على حواف البحيرة، تتقشر التربة من لهيب القيظ وسموم الرياح الجنوبية القادمة من الصحارى والجبال المحيطة.. إنها دورات الحياة الطبيعية وتحولاتها. 
قبل عام كان الخير كثيراً والأمطار غزيرة عمت الإمارات بصورة لم يعهدها جيل اليوم، وعلى الرغم من بعض الخسائر بسبب الكميات الكبيرة من الأمطار، لكنها أيضاً كانت خيراً وبركة للأرض وتوفير كم هائل من المخزون المائي، الآن نشاهد أثره وتأثيره في الحياة الزراعية وازدياد المحاصيل، كما عادت الحياة للوديان والبحيرات ومجاري الماء القديمة. يبتسم الجبل حاملاً اللوحة البيضاء بعنوان المكان (حتا)، تداعب الرياح البحيرة المتمددة عند أقدام الجبال، تطل الأشجار خضراء بديعة على حافة البحيرة وفي وسط هذا الماء المنساب إلى البعيد، فرحة العصافير والطيور الصغيرة وهي تبني أعشاشها فوق أشجار السمر و(الغويف). على صفحة الغدير تحلق الفراشات والكائنات الجميلة، اليعسوب، أبو بشير كما يقول أهلنا القدامى، المبشر بالخير والعطاء والعشب و(الحيا)، يرفرف على سطح المياه بأجنحته الرقيقة زجاجية المنظر، بيضاء كأنها المرايا، وأخرى ملونة. من زمن بعيد لم أشاهد اليعسوب، كائن جميل زاهي الألوان يحلق بخفة وجمال بديع، تخاله طائرة (هليكوبتر). رائعة بحيرة هذا الجبل وإن استمرت في الاحتفاظ بالمياه أو تم تعميقها والعناية بها بحيث لا تنقطع عنها المياه، سوف تتحول في المستقبل إلى إحدى المحطات الجميلة في هذه المنطقة الجبلية الرائعة.. الشتاء قادم بعد أشهر وموسم الأمطار سوف يأتي ويزيد هذه البحيرة بكميات صافية وقد تتحول إلى بحيرة دائمة المياه. عندما يعانق الماء الجبل تخرج الطبيعة جمالها وإبداعها، وهذه هي الحياة.