صاحب الكُرَة

ابراهيم مبارك

تشرق الشمس على القرية البعيدة، تضيء القرية المتراصة مساكنها والتي تكونت على شكل يشبه الكف، وحده أصبع نافر عن ذلك الكف امتد طويلاً ليشكل ذلك الاختلاف عن المحيط الشعبي من البيوت الفقيرة، صعد المنزل عالياً هناك وترك المساكن تحته، الشمس والقمر وحدهما لم يخصصا نورهما لذلك المنزل النافر، بل أضاء الشعاع والنور كل القرية !.. من ذلك المحيط يلتقط الكاتب والفنان المسرحي الجميل، جمال مطر، حكاية (صاحب الكرة)، قد تبدو الحكاية عجيبة وطبيعية تحدث في هذه القرية الفقيرة، يقدم الكاتب إسقاطات كثيرة ودلالات تلخص ما يحدث دائماً في مثل هذه المجتمعات والبيئات، التي يصعد بعضهم فيها، على أكتاف الآخر وبطرق شتى وكثيرة.
 في هذه القرية الفقيرة، الجميع يعشق لعبة كرة القدم، وعلى الخصوص الصغار، وهناك جمهور من الكبار يتابع هذا العشق للأبناء، ولهذه اللعبة الشعبية، لذلك تكون فريقان، الأول يمثل البيوت الشعبية الفقيرة، والآخر يمثل فريق ميسوري الحال أو الكبار، كما يطلق عليهم أبناء الحي الشعبي الفقير.
يلخص الكاتب الحكاية في عنصرين من أبطال هذه اللعبة، الأول/ ناصر من الحي الميسور الحال، والآخر/ خالد من حي الفقراء، يقدم الكاتب التمايز بين الفريقين، بدءاً من الملابس وهيئة الفريق الأول، بالإضافة إلى أن من يملك الكرة، وهو ناصر، يمتاز بصحة قوية وسمنة واضحة، وهو ابن ذلك الميسور، صاحب المسكن العالي فوق البيوت الشعبية، والآخر بطل فريق الحي الشعبي الفقير/ خالد، صغير الحجم، نحيف، كما هو حال فريقه، ولكن خالد ماهر جداً في لعبة كرة القدم، يستطيع أن يسجل الأهداف بمهارة عجيبة، بينما ناصر هو حارس مرمى الفريق الأول، يعجز أن يصد ضربات خالد وفريقه، وعندما هزم في مباراة التحدي الكبير بين الفريقين، حمل كرته التي يلعب بها الفريقان، وذهب باكياً إلى منزله وشاكياً لأمه، وقال: إن خالد ابن حارس البناية، يقهره عمداً في تسجيل الأهداف، بعد أن يراوغه ويضحّك الناس عليه!!.
يذهب الحكم والجميع إلى منزل ناصر، طالبين العودة إلى المباراة، ولكن والدة ناصر، تتدخل وتطلب من الحكم أن ينهي المباراة بالتعادل وبأي طريقة، وهذا ما يحصل بعد عودة الفريقين للعب واستكمال المباراة.. يسعد ناصر وجمهوره بهذه النتيجة، حيث إن فريقهم كان مهزوماً وبفارق، ولكن حصل تواطؤ ومراعاة من الحكم، فانقلب الفوز إلى ترضية، لذا يغضب خالد كثيراً، وكذلك جمهوره، لكنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً!!، هكذا دائماً يحدث، والأمثلة كثيرة.
 كان من بين الجمهور الذي حضر مباراة التحدي الأخير، (أم ناصر) التي وشوشت الحكم بكلام لم يسمعه أحد، و(أم خالد)، اللاعب الفنان والهداف، في النهاية تذهب (أم ناصر) سعيدة جداً بالنتيجة، وتغادر (أم خالد) حزينة مثل ابنها وجمهوره، تمر الأيام والسنون، ولم يعد أحد يتذكر ذلك السمين وأصحابه، ناصر وفريقه، وحده خالد الفنان الهداف، يظل بطلاً يذكره الناس حتى بعد مضي هذه السنين الطويلة!!.
جمال مطر، جميل وفنان رائع، محلّق دائماً في سماء الفن والثقافة والأدب، هو مسرحي مبدع ومن الشباب الذين أثروا المسرح في الإمارات، كلنا يتذكر مسرحياته الجميلة، وحضوره البهي في التلفزيون والإعلام، نتذكر روعة ما قدمه من عمل ورؤية ورؤى في مسرحية (جميلة)، كذلك في بقية أعماله، هذه الحكاية الجديدة، يمكن أن تكون من أجمل الأعمال، إن حُوّلت إلى التلفزيون، سواء في عمل مسرحي أو في مجال فن الكارتون.
 قلت سابقاً إن جمال مطر هو الطائر الأخضر الجميل الذي يستحق باقة ورد وألف تحية.

جريدة الاتحاد