العبرة لمن اعتبر

وحينما بلغوا ديار ذلك الملك ودخلوا عليه ورأى جمعهم الكبير من الشيوخ والأمراء، قال لهم الملك مستغرباً: من هذا الرجل الذي جئتم جميعاً لتشفعوا فيه؟ فكان ردهم جميعاً وبصوت واحد ونبرة واحدة قائلين: هو ملكنا أيها الملك، فتعجب الملك من ذلك ورد عليهم قائلاً: لم يخبرنا عن نفسه، فقالوا: لقد أنف أن يذلّ نفسه، فأراد أن يريك عزته بقومه، عند ذلك أكبر الملك صنيعه وصنيعهم، وأخذه الإعجاب بشهامته وعزته واعتزازه بقومه، واعتدادهم به، فأطلقه لهم.

لكن بعد مرور مدة قصيرة من الزمن جاءه الخبر ينبئه بأن ذلك الرجل الذي أطلقه ما هو إلا راعٍ من رعاة الإبل عندهم، فتعجب الملك من صنيعهم حينما جاءوه، واستغرب فعلتهم من أجل مجرد راعٍ لديهم، فأرسل إليهم رسله مستفسراً مستفهماً عن صنيعهم الذي صنعوه، وسعيهم الذي سعوه من أجل مجرد راعٍ للإبل، فجاءه الرد منهم مذهلاً غنياً بالعبرة والعزة والشمم والأصالة، والذي كان مفاده: بأنه لا أمير فينا إن ذلّ راعينا.