الشعر، كما هو معروف منذ الأزل، ديوان العرب، كان هو وسيلتهم الإعلامية الأولى التي تسجّل أيامهم ومفاخرهم وانتصاراتهم وتنافح عنهم أعداءهم، وتروي قصص الحب والغزل والغرام.
كان الشعر أمضى من ضرب الحسام، والأقوى بأبياته وكلماته في التعبير عمّا يجيش في الوجدان والنفس، حفظ لنا الكثير من تاريخ الأزمان الغابرة ومواقف الناس، وعبّر عن معطيات ذلك في مختلف الأزمنة بما يناسبها، وما زالت للشعر مهابته ومكانته وألقه، لذا لا تزال الكثير من الدول تحيي المهرجانات الشعرية وتبتكر من المناسبات ما يليق بمكانته.
ونحن في دولة الإمارات لدينا برنامجان تلفزيونيان مستمران، وهما مسابقتان في تقدير الشعر العربي وتحفيز الشعراء، هما: «أمير الشعراء» للشعر العربي الفصيح، و«شاعر المليون» للشعر الشعبي. وهناك جائزة الشارقة للشعر العربي، وجائزة الشارقة لنقد الشعر العربي، وجائزة الشارقة للشعر الشعبي، وجائزة الشعر العربي، وجائزة البدر. وكذلك هناك أكاديمية للشعر ودارة للشعر العربي، فضلاً عن كثير من المهرجانات الشعرية هنا وهناك، هذا في الإمارات فقط، أما في الوطن العربي على امتداده، فهناك ما لا يمكن حصره وتعداده من الفعاليات والمبادرات والمهرجانات والمسابقات.
وعلى مرّ العصور كان هناك الكثير من الشعراء الذين وظفوا ملكاتهم الشعرية في تحقيق كثير من المكاسب، سواء المكانة الأدبية أو الشخصية، أو حتى وصولاً إلى الجاه والمنصب. ومنهم من وظف شعره لتحقيق المكسب المادي، وما في ذلك غضاضة ولا لائمة، ففي كل الأزمنة العربية الغابرة كان الشعراء حتى الفطاحل منهم يتكسّبون المال بشعرهم وقصائدهم ذوي الجاه والسلطان، فشاعر مثل المتنبّي بمكانته المعروفة تكسّب بشعره، وكتب من عيون شعره في المدح الذي تكسب به، لكن كل ما كتبه وكتبه غيره من الشعراء مدوّن بأسمائهم وموجود في دواوينهم.
أما في العصر الحاضر ومع انتشار الجهات والشركات في مواقع التواصل وكثرة إعلاناتها عن إمكانية كتابة القصائد لمن هبّ ودبّ، ويرغب بكل مناسبة وظرف وموقف، في مبلغ يتفق عليه، من دون معرفة الشاعر أو الشعراء الذين يؤدّون ذلك، فتلك الشركات هي التي تعلن وتروّج وتسوّق لإمكانية كتابة القصائد في كل مناسبة، فكيف ستحفظ الحقوق إذاً؟ ولمن ستنسب تلك القصائد؟ هل للشعراء الذين كتبوها أم لمن كتبت لهم ودفعوا المقابل المادي، حتى من دون معرفة اسم الشاعر؟ فنصبح أمام مدّعين للشعر وشعراء لا ناقة ولا جمل لهم في عالم الشعر، سوى قصائد يمكن أن تشترى في أي لحظة وحين، أم أن تلك القصائد ستسجل باسم تلك الشركات التي تقدم تلك الخدمات الشعرية حفاظاً على الحقوق؟
جريدة الخليج