على صلة بهذا، يستوقفنا عند التعرف الى سيرة المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد ولعه بالموسيقى، ورغم أن هذا ليس جانباً خفياً في حياته، فالمطلعون على سيرة سعيد يعرفون عمق اهتمامه واطلاعه الموسيقيين، لكن المؤكد أن الطاغي في شهرته هي صورة المفكر اللامع والكاتب المقروء على نطاق واسع في الولايات المتحدة وفي العالم، وبالتأكيد في العالم العربي خاصة في العقدين الأخيرين.
الموسيقى في أعلى تجلّياتها
كان إدوارد سعيد عازفاً ماهراً على البيانو ودارساً للموسيقى ومحللاً لها، فناً ودوراً وأثراً. في هذا النطاق، لاحظ سعيد أن أجهزة الأمن في السجون الإسرائيلية كانت، في نطاق التعذيب المنهجي الذي تمارسه ضد المعتقلين الفلسطينيين، تبث أشرطة موسيقية لبيتهوفن مع الاستعانة بسماعات ضخمة ورفع درجة الصوت إلى حده الأقصى لإجبارهم على الاعتراف. كان الإسرائيليون يطلقون على هذا النوع من التعذيب تعبير «الضغط البدني المعتدل».
في نتيجة ذلك، أصبح بيتهوفن، هذا الموسيقي العظيم الذي نشعر بالمتعة الروحية والاسترخاء ونحن نسمع موسيقاه، اسماً مكروهاً لدى بعض المعتقلين لأن سماعه يرتبط عندهم بفكرة التعذيب. أشار إدوارد سعيد إلى هذه المعلومة وهو يناقش فكرة أن الموسيقى يمكن أن توظف لأغراض غير إنسانية.
بعد وفاته، نشر لإدوارد سعيد كتاب بعنوان: «الموسيقى في أعلى تجلياتها» حوى مجموعة مقالاته عن الموسيقى كفن وكنشاط، وخاصة منها تلك التي نشرها في مجلة «نيشين» الأمريكية بعد أن أصبح مُحررها الثقافي والفني، وكان عمله في تلك المجلة قد شكل له دافعاً إضافياً لتكثيف دراساته الموسيقية واهتمامه بالموسيقى التي كان الاستماع إليها، بالنسبة له، وسيلة للتغلب عل القلق والهموم ومقاومة المرض بعد اكتشاف إصابته ب «اللوكيميا».
تروي مريم سعيد، أرملة الراحل، أن زوجها اتصل قبل وفاته بابن عمٍ له يعمل قساً وسأله عن المكان الذي يتحدث فيه الإنجيل عن أن «الساعة آتية وهي الآن» وبعد أن استمع لإجابة ابن عمه التفت إليها وقال إنه قلق من أنها لن تعرف أي موسيقى ستعزف في جنازته.
تريثت مريم قبل الإجابة، لكنها أدركت أنه كان يخبرها بشعوره بأن موته بات وشيكاً.