من أجل أن يدرس المسألة الطائفية في بلده، لبنان، عاد جورج قرم إلى الماضي، ليلمّ بالأصول التاريخية للظاهرة الطائفية، غير مكتفٍ بدراسة التاريخ الإسلامي وحده، وإنما عاد إلى التاريخ القديم، بدءاً بالمنظومات الوثنية في فترة الألفيات الأولى ما قبل الميلاد، والتي تكثر فيها الآلهة التي يعبدها الناس، وحتى انتصار الديانات التوحيدية الثلاث.
تأثر المفكر ووزير المالية السابق جورج قرم، الفائز بجائزة سلطان العويس عن مجموع أعماله الفكرية، الذي رحل عن الدنيا قبل أيام، بيواكيم مبارك، العلاّمة الضليع، غير التقليدي، في تاريخ الكنائس الأولى، وعرف عنه مساندته لقضية الشعب الفلسطيني، وفي الحوار الذي أجراه سيلفان ميركادييه معه، قبل نحو خمسة أعوام، قال قرم، إن سيرته الفكرية تأثرت أيضاً بمطالعته لكارل بوبر، كما أنه ترعرع على الثقافة الفرنسية وتيارات الفكر الفلسفي الأوروبي، كما تأثر إلى أبعد الحدود بفكر الألمانية حنة آرنت، فضلاً عن قراءته المكثفة للعديد من المفكرين العرب، خاصة ابن خلدون.
تلقى قرم تعليمه الثانوي الذي قال عنه، إنه «من نوعية جيدة» على يد الآباء اليسوعيين في القاهرة، ثم واصل تعليمه الجامعي في معهد الدراسات العليا السياسية في باريس وفِي كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية. عيشه في صباه في مصر جعله شديد التعاطف مع المدّ الناصري، ما يحمله على إبداء الحزن على تراجع مكانة الفكر التقدمي في الساحة العربية، وبرأيه أن الانخراط العربي في الحرب الباردة لصالح الغرب قوَّى، عربيّاً، الإيديولوجيات المعادية للحداثة، ومكّنها من مفاصل المجتمع، بسبب توظيفها في الصراع.
من بين مؤلفات جورج قرم: «تعدد الأديان وأنظمة الحكم»، «التنمية المفقودة»، «شرق وغرب: التاريخ الأسطوري»، «لبنان المعاصر- تاريخ ومجتمع»، «أوروبا والمشرق العربي»، وهو من مؤلفاته المهمة التي عالج فيها ما وصفه في العنوان الشارح للكتاب «تاريخ حداثة غير منجزة»، «الفكر والسياسة في العالم العربي»، الذي أبرز فيه أعمال عشرات المفكرين العرب، وفي جوابه عن سؤال وُجِّه إليه في الحوار المشار إليه قال، إن تأثير بعض هؤلاء المفكرين لم يقتصر على الشبّان العرب المتأثرين بالفكر التجديدي، فبعضهم معروف حتى في الغرب، ومن بينهم المصري سمير أمين، والمغربي عبدالله العروي، واللبناني مهدي عامل، والسوري ياسين الحافظ.
يرى قرم أن موجة «شيطنة» الإسلام في بعض الفكر الغربي جديدة، ولم تكن حاضرة بهذا الزخم. برأيه أن صامويل هنتينجتون هو الذي دفع إلى الواجهة بهذا الميل، بعد مُضيّ أكثر من مئة عام على تناول إرنيست رينان للموضوع، داعياً إلى عدم إغفال مساهمة جيل من المستشرقين المستنيرين اللامعين، بينهم ماكسيم رودينسون الذي ألف كتاب «جاذبية الإسلام»، منتقداً فيه الشطط في المفاهيم الغربية حول الإسلام.