كان للشقيق الأكبر لفؤاد التكرلي صديق شغوف بالقراءة، وهو ما كان يثير حنق والد هذا الصديق الذي أراد لابنه أن ينصرف إلى دراسته، لا أن ينفق وقته في قراءة الكتب، التي لن تجديه نفعاً في رأي الأب الذي أقسم إذا لم يحصل ابنه على درجات عالية في الامتحان فسيحرق جميع كتبه، فأسرع الابن بجمع كل روايات الجيب التي اقتناها، وبلغ عددها نحو مئتي رواية، وأتى بها إلى بيت صديقه، شقيق فؤاد التكرلي، وكان فؤاد يومها في الثانية عشرة من عمره، فشعر أنه عثر على كنز، فانهمك في قراءة تلك الروايات الصغيرة الحجم، حتى أنه كان يقرأ في اليوم الواحد رواية أو حتى روايتين، فتعرف إلى سومرست موم، وأجاثا كريستي، وأرسين لوبين، وسواهم، ما حفزه على البحث عن كتاب آخرين حتى وجد الأعمال الملخصة لديستوفسكي وتولستوي، حتى شعر بأنه نشأ لديه ميل للكتابة.
هذا ما ذكره فؤاد التكرلي رداً على سؤال هالة البدري له عن الطريق التي قادته إلى الكتابة، في حوارٍ أجرته معه وأعادت نشره في كتابها «بوح المبدعين»، وسنعلم من هذا الحوار أن التكرلي قضى معظم حياته الوظيفية قاضياً، لكن ذلك لم يحل بينه والكتابة الإبداعية، التي تميّز فيها حتى أنه كان ضمن من نالوا جائزة سلطان العويس في حقل الرواية والقصة تقديراً لتميّز أعماله.
النقّاد، أو بعضهم، اعتبروا رواية التكرلي «الرجع البعيد» أهم أعماله، التي قال، في حواره مع هالة البدري، إنّ كتابتها استغرقت منه إحدى عشرة سنة، وكان وقت كتابتها مقيماً في باريس، لكنه قال إنه لا يعرف السبب الذي جعل منها أهم أعماله في رأي من قرأها، رغم ما فيها من «صعوبات كثيرة في اللغة والتكنيك والحوار المكتوب بالعامية البغدادية»، لكنه يعرف أن الرواية لفتت الأنظار إليه كونها تناولت ظاهرة الفساد في العراق في تلك الفترة، رغم بعده عن الوسط الأدبي، ربما بحكم مهنته كقاضٍ، ويومها شعر أنه بات تحت مجهر الرقابة، قبل أن يغادر العراق إلى وجهته الأولى خارجه: تونس، موطن زوجته. وهناك تفرّغ للكتابة بصورة أفضل فكتب روايات بينها «خاتم الرمل».
رداً على سؤال للبدري عما إذا كان يتابع الأعمال الأدبية العربية، قال التكرلي إن ارتباطه بالثقافة المصرية كبير، وإنه أحبّ أعمال نجيب محفوظ، لكنه يحبّ أكثر أعمال بهاء طاهر الذي يعدّه من أجود الفنانين الأدباء، كما يحب أعمال محمد المخزنجي وسعيد الكفراوي.
قال التكرلي شيئاً آخر حول استسهال كتابة الرواية اليوم. في رأيه، تغلب على الكثير من الأعمال روح الريبورتاج الذي يجمع بين الصحافة والأدب، وهذا، في رأيه، ليس أدباً.