أوراق الخريف

حارب الظاهري

في ذي بدء عجائبي الجمال خريفي العمر، في تدفق شروق الشمس، تبهر كرنفالات الورود، الآتية من الأصدقاء، معطرة بسمات من هدايا، ملصقة بحروف اسمها، بمناسبة عيد ميلادها المشرق بالأحلام المنتظرة، وبألحان غنائية هادئة أيقظت روحها من ثبات، تستل من صحو النوافذ أن تزيح شلالات ستائرها، أن تنصت بهمسات مغردة، تشاغب شجيرات وارفة الظل.
أي فنجان قهوة ساخن ينتظرها، حثيث مرايا الوقت، ينسج على عجالة نسمات باردة، ومن كأس سالت حبيبات الماء، إناء نحاسي آخر رطب، من كتل ثلج لزجة، تهادت حبات ورد في الإناء، كأنها تلوذ بثوان زمنية مفعمة بشيء من الحيرة، تنتابها تمسد بأصابعها الناعمة الأشياء، رتم غامض ينتظرها.
دمعة زمنية خريفية العمر مهدها القلب، بؤبؤا عينيها ضبابية تنظر أنحاء سرب طيور تحلق في السماء عالياً، والغيوم واهية، دكنة بعض الشيء، تتلبد هيامها بالمطر، وحفيف أوراق الخريف تتنبأ، تزف خطواتها في ابتدار شقي إثر رحيل زمن من العمر، تمر من دون التفاتة، ما مضى من الحياة مضى، معتادة أن ترتشف فنجان قهوتها، وتكتفي بهدوء، فحانت زخات المطر تنثر رذاذها، تستعجل وتهمد قليلاً، تداعب وجوه الزهور، تلامس رحيقها المفتون بالفراشات.
هي تشبه وردة كونية، في الوجود منتشية بالصمت، ترسم لنفسها لوحة خرافية، بعد خلوة جميلة في فضاء نفسها، تعجنها من شقاء الأيام، أمام المرايا لها حكاية تكتنف صورتها الآنية، لها بصيرة في ثواني الوقت، ورذاذ المطر المتدفق، وفقاعات القهوة تطفو، تشعر بشيء من جراء ما مضى من العمر، شيء ما لا يحيد عن النسيان، بنشوة الخيال، شغفها ينصهر رويداً أمام تمثال الزمن الشمعي.
تتجرد أشعة الشمس من ضوئها تزج بالغيوم، وهي تغرس وجعها في مسامات الأمكنة تلفظ حكاياتها المكنونة في فطرة الحياة، كأنها في جدال زمني مع العمر، كأنها تنبش ثواني الوقت بنشوة فكرية مترامية بعيدة، تهجر زمناً على مر الزمن وتنصت إلى وقع خطواتها على الأرصفة والممرات الرملية المبتلة بالماء.
لن توقف لحظاتها على عتبات الأبواب المغلقة والبيوت المهجورة، لن ترى بهاء القديم من الشوق والحنين وهنيئات من الوقت تمزقت، لن تدع ذاكرتها توحي بصدى أصوات مرت في توق فرحها وحزنها وتعجلت الرحيل.
تمضي على غفلة من الزمن، تولج ما بدا من ثواني العمر وما انتهى، كأنها عرّافة تلح عليها أن تلف ما تبقى من عمرها بخيوط من حرير، وأن تكتب رائعة عمرها من وحي صمت الخريف المثقل بالأمنيات الخلابة تباغت بها الدهر، بعطرها المستفيض ينبئها بأن ترتشف قهوتها الصباحية على هدوء، تنثر فتنتها فلا تجزع من أطياف سراب الحياة.