لعبت الفلسفة دوراً مهمّاً في تمثيل جوهر التفكير الإنساني الباحث عن فهم الذات والعالم لتطوير رؤية شاملة للوجود وبناء مجتمع أكثر وعياً في مواجهة التحديات بحكمة وتبصر.
وتمكّن الفلاسفة باستخدام أساليب الحوار واللغة البسيطة والأدب من نشر أفكارهم، ومناقشة الأسئلة الأساسية المتعلقة بالوجود والمعرفة والهوية وتطوير العلاقات الإنسانية وترابط العالم.
ونجحت رواية النرويجي غوستاين غاردر «عالم صوفي» في تبسيط الفلسفة من خلال حكاية تبدأ برسائل مجهولة الهوية تصل إلى البطلة «صوفي» وتطرح عليها الأسئلة الأساسية عن الوجود والحياة، لتثير فضولها وفضول قراء الرواية في الوقت نفسه.
وكما لعبت الفلسفة دوراً في تطوير قدرتنا على التفكير النقدي والتحليلي، حفزت الناس على التفكير بعمق ومنطقية وكيفية طرح الأسئلة والتحقق من الإجابات وعدم قبولها بدون تفكير من أجل اتخاذ قرارات مستنيرة في حياتنا، فدورها الأهم يكمن في تشكيل قيمنا الأخلاقية والمبادئ التي نعيش بها ونعي ما يدور حولنا وفهم ما يجعل أفعالنا صحيحة أو خاطئة ومعرفة المبادئ التي ينبغي أن توجّه سلوكنا.
وساعد تبسيط الفلسفة الأفراد على تطبيق التفكير النقدي في حياتهم ومشكلاتهم اليومية وفهم الأسباب الجذرية للصراعات الشخصية والاجتماعية والتفكير بشكل منهجي وابتكار الحلول المناسبة للمشكلات.
ويعود الفضل في إخراج الفلسفة من كونها علماً نخبوياً يقتصر على الأكاديميين والمثقفين لأسلوب بعض الفلاسفة الذين شرحوها وبسطوها للناس وجعلوها متاحة على شكل قصص ومعلومات تفيدهم في حياتهم اليومية وفي تحسين التعليم والتعلم وتطوير مهارات التفكير النقدي والتحليلي منذ سن مبكرة، ما يؤدي إلى نشأة جيل قادر على التفكير بعمق واتخاذ القرارات الصائبة كما فعل سقراط الذي يعتبر أحد أهم الفلاسفة في التاريخ الغربي، من خلال اعتماده في تعليمه على الحوار والنقاش ونشر أفكاره وجعلها أكثر تفاعلية وقرباً للفهم.
وتبعه في ذلك تلميذه أفلاطون مؤسس الأكاديمية في أثينا وكاتب العديد من الحوارات التي عرض فيها أفكار سقراط وناقش مفهوم العدالة والفرد والمجتمع المثالي.
وأتاح أسلوب الحوار والقص والاستعارات الذي اتبعه الفيلسوفان نشر أفكارهما الفلسفية للجميع وسهلها على الفهم للقارئ العادي وبسط الأفكار المعقدة مثل استخدام «أسطورة الكهف» لتوضيح نظرية المعرفة، كما اعتبرت كتابات أرسطو تلميذ أفلاطون بمثابة موسوعات معرفية عالج فيها موضوع الفضيلة والأخلاق ببساطة وبشكل مباشر في كتابه «الأخلاق» ما جعل القراء يستوعبون أفكارهم الفلسفية بسهولة.
واشتهرت عبارة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت المعروف بأبي الفلسفة الحديثة «أنا افكر إذاً أنا موجود» من كتابه «تأملات في الفلسفة الأولى» ليصبح أحد أهم مؤسسي التفكير الفلسفي بطريقة مختصرة ومفهومة.
تلاهم الإنجليزي جون لوك،أحد مؤسسي الفلسفة التجريبية الذي قدم نظريته حول المعرفة في كتابه «مقالة في الفهم البشري» ليسهم بذلك في تبسيط الفلسفة ونقلها إلى الناس مباشرة.
ونجحت الكتابة بأسلوب أدبي كالتي انتهجها الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في كتابه «العقد الاجتماعي» في تقريب الفلسفة من القراء العاديين، وعرض عليهم أفكاره حول الحرية والمساواة والديمقراطية بسلاسة ووضوح ما جعلها متاحة للجماهير مقبولة من طرفهم.
وتمكن الروائي والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو برواية «الغريب» من جعل الفلسفة الوجودية متاحة للجميع من خلال قصة سهلة الفهم استطاعت نقل فلسفته إلى جمهور أوسع.
ولا شك بأن تبسيط الفلسفة له أهمية كبيرة تبدأ من الوصول إلى جمهور أوسع وزيادة وعي الأفراد وتعزيز الحوار والنقاش حول المواضيع المهمة مثل الأخلاق والعدالة والتسامح، وتقديم الحلول للمشكلات الحياتية وتعزيز التعليم بصفتها أداة قوية لتحسين الفهم الذاتي والاجتماعي.
جريدة الخليج