الاستقرار أم القلق؟

علي عبيد الهاملي

ما الذي يشعل جذوة الإبداع لدى المبدعين: هل هو الاستقرار أم القلق؟

كان هذا هو السؤال الذي حاولَتْ أن تجيب عنه الجلسة التي انعقدت الأسبوع الماضي في قاعة «واحة القصص» بفندق انتركونتننتال في دبي، ضمن فعاليات «مهرجان طيران الإمارات للآداب» تحت عنوان: «تأثير الاستقرار على الإبداع والمبدع».

الفريق محمد بن أحمد المري، مدير عام الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بدبي، التي رعت الجلسة، قال في الكلمة التي ألقاها قبل انطلاقها، إن الاستقرار بمفهومه الاقتصادي والاجتماعي والأمني يشكل حجر الأساس الذي تبنى عليه المجتمعات الناجحة.

وأوضح أن دبي تقدم نموذجاً عالمياً في تحقيق هذا الاستقرار، من خلال بيئة آمنة وداعمة، مما يمكن الأفراد من التفكير الخلاق والإبداع، حيث إن المبدعين بحاجة إلى الاستقرار ليتمكنوا من الإبداع والابتكار.

المشاركون في الندوة، وبعضهم قادم من بلدان تفتقر إلى الأمن والاستقرار، أو كانت له تجربة في بيئات خارج بلده، تحدثوا عن دور المعاناة والقلق في دفع الإنسان، كاتباً كان أو فناناً أو شاعراً، إلى الإبداع.

وجاء بعضهم بأمثلة من كُتّابٍ عالميين شكلت المعاناة في حياتهم دافعاً للإبداع، قبل أن يصل المتحاورون إلى اتفاق على أن الاستقرار في حياة المبدع هو العامل والدافع الأكبر للإبداع والاستمرار في رفد مجتمعه وجمهوره بالأعمال الإبداعية. فالكاتب السوري نبيل سليمان قال في مداخلته إن كلمات مثل القلق والاستقرار حمّالة أوجه.

وذكر أن هناك قلقاً حميداً يحدث وجوده عند المبدع فجوة إبداعية، مؤكداً أن الاستقرار بأنواعه المختلفة أمر شديد الأهمية بالنسبة للكاتب وضروري، واستطرد قائلاً إن بعض الاستقرار يقود إلى سكون الكاتب وربما يوقفه عن الكتابة.

ولا نعرف ما إذا كان القلق هو ما جعل الكاتب نبيل سليمان ينتج كل هذه الأعمال الرائعة التي أثرت المكتبة العربية بالعديد من الروايات والدراسات النقدية على مدى خمسين عاماً، لكنه عاد فأكد أن ما توفره دولة الإمارات العربية المتحدة للمبدعين من استقرار بمنحهم الإقامة الذهبية يوفر بيئة مثالية للإبداع، ويشجع المبدعين على تقديم المزيد من الإنتاج.

هذا الرأي الأخير تتفق معه الكاتبة والشاعرة الفلسطينية أمل إسماعيل، المولودة في إمارة رأس الخيمة، والتي تقول إن الاستقرار الذي وفرته لها دولة الإمارات كان محفزاً لها على الإبداع، خاصة بعد حصولها على الإقامة الذهبية.

وقالت إنها راهنت على ذلك، وكسبت الرهان. أما كاتب السيناريو الروائي والصحافي ورسام الكاريكاتير السوري ممدوح حمادة فيملك تجربة في الاغتراب بدأت عندما نزح في طفولته من هضبة الجولان السورية إلى السويداء، قبل أن يسافر إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة الصحافة في جامعة بيلاروسيا ويتخرج منها حاملاً درجة الدكتوراه، ليعود بعدها إلى سوريا باحثاً عن عمل لم يوفق في العثور عليه على مدى عام ونصف العام، ليقرر العودة إلى بيلاروسيا.

حيث عمل مدرساً في إحدى جامعاتها لأكثر من عشر سنوات. ممدوح حمادة حصل على الإقامة الذهبية في الإمارات، ولهذا فهو يرى أن الاستقرار له تأثيره الإيجابي الكبير على المبدعين، حيث إن الاستقرار في المكان يقود إلى أن يجدد المؤلف من كتاباته وأساليبه بعيداً عن التكرار.

تجربة اغتراب وعدم استقرار أخرى سردتها الكاتبة العراقية حوراء النداوي، المولودة في العراق الذي خرجت منه وهي في السابعة من عمرها لتقيم في الدانمارك، حيث تعلمت اللغة العربية في المنزل، ثم انتقلت لتقيم مع زوجها لاعب كرة القدم العراقي السابق نشأت أكرم في لندن.

حوراء النداوي قالت إنها من أسرة مهاجرة تنقلت في الكثير من الأماكن، وجربت عدم الاستقرار منذ وقت مبكر، ووجدت في دبي الاستقرار الذي جعلها تركز على الكتابة والترجمة والإبداع.

في رأيي أن الاستقرار ضروري لإطلاق ملكة الإبداع، وهو ما فعلته دولة الإمارات العربية المتحدة عندما أتاحت الحصول على الإقامة الذهبية فيها لعدد من المبدعين العرب، تمر بلدان بعضهم بقلاقل سياسية وأمنية وحروب دامية، مثلما قال الفريق محمد المري في كلمته.

كما أن القلق ضروري أيضاً لإطلاق ملكة الإبداع لدى المبدع، ولكنه القلق الداخلي الذي يدفع أصحاب المواهب إلى التعبير عن أنفسهم بشكل مختلف، لا ذلك القلق المرتبط بالصراعات والحروب والقلاقل.

جريدة البيان