«سرد الذهب» اسم جميل اختاره «مركز أبوظبي للغة العربية» للجائزة التي أطلقها لتكريم رواة السير والآداب والسرود الشعبية محلياً وعربياً وعالمياً، والتي تم تكريم الفائزين بالدورة الأولى منها في «حصن الظفرة» بمدينة زايد، يوم الأربعاء الماضي، خلال حفل أقيم تحت رعاية سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل حاكم أبوظبي في منطقة الظفرة، رئيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي وبحضور الشيخ محمد بن حمدان بن زايد آل نهيان، وذلك في إطار «مهرجان الظفرة للكتاب» الذي نظم الحفل وأخرجه في أجواء تراثية ساحرة، عكسها البناء الجميل الذي أعيد ترميمه للحصن الذي يعد من أقدم حصون الظفرة وأكبرها، بموقعه في منطقة «سيح السرة» شرق مدينة زايد بنحو 30 كيلومتراً.
وقد جاء تأسيسها تقديراً للتقاليد العريقة في سرد القصص باللغة العربية، بما في ذلك الانتشار الدائم للحكايات الشعبية والأساطير، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من التراث والثقافة والفكر العربي، وذلك من خلال ست فئات تسعى إلى التعريف بهذا التقليد ودعم دراسته، والتعبير عنه في الثقافة المعاصرة. والجميل في الجائزة أنها استمدت اسمها من كلمتي «سرد» و«ذهب» اللتين وردتا في بيتين من الشعر للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان يحمل لمنطقة «الظفرة» وساكنيها محبة كبيرة، عبر عنها في قصيدته المعروفة التي يقول مطلعها: «يعل نوٍّ بانت مزونه.. يسقي الظفرة ويرويها» التي تغنى بها عدد من المطربين والمطربات الإماراتيين والعرب.
يحسب لجائزة «سرد الذهب» أنها قد تجاوزت النطاق المحلي لتشمل العالم العربي وامتدت إلى خارجه، حيث فازت رواية «Le Faucon – الصقر» للكاتب الفرنسي جيليبرت سينويه، والمكتوبة باللغة الفرنسية، بجائزة فرع السردية الإماراتية، وهي رواية صادرة عن دار النشر الفرنسية غاليما، وتتحدث عن شخصية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ساردةً المحطات التاريخية في حياة القائد المؤسس، من خلال مسارات تتوازى وتتماهى مع سردية الإمارات العربية المتحدة الحديثة.
بينما شملت فروع الجائزة الأخرى فائزين من جمهورية مصر العربية هما الكاتب محمود سعيد محمد والكاتبة رانيا أحمد هلال كامل، ومن المملكة المغربية القاص عبدالرحيم سليلي وهدى الشماشي والدكتورة نجيمة طايطاي، ومن دولة الإمارات العربية المتحدة الكاتبة لولوة المنصوري والباحث الدكتور عبدالعزيز المسلم وكاتب السيناريو محمد حسن أحمد.
وقد استلهمت الأعمال الفائزة البيئات المحلية لكتابها، موظفة الشخصيات والأدوات المستخدمة في كل منطقة منها لصالح البناء الدرامي للعمل، إلى جانب توظيفها للموروث الشعبي وإحيائه، مع إعادة صياغته وتقديمه في طابع جديد وضمن إطار يتفق مع ما حققته المجتمعات الحديثة من تقدم، وربط بعضه بالأحداث التي تركت آثاراً واضحة على هذه المجتمعات، مثل الزلزال الذي ضرب المغرب في قصة «زلزال» للكاتب المغربي عبدالرحيم سليلي، والرحى القديمة في قصة «بين شقي رحى» للكاتبة المصرية رانيا أحمد هلال كامل، وعلى هذا المنوال نسجت بقية الأعمال.
هذه الفسيفساء التي تشكلت من الأعمال الفائزة عكست النجاح الذي حققته الجائزة في دورتها الأولى، وهو نجاح يحسب لمركز أبوظبي للغة العربية، ولرئيسه الدكتور علي بن تميم، ولمديره التنفيذي الأستاذ سعيد حمدان، ولفريق عمل المركز المبدع، الذي يخطط ويعمل في صمت، لكن عمله يحدث حراكاً كبيراً ومؤثراً في الساحة الثقافية بدولة الإمارات.
«سرد الذهب» لم يكن مجرد احتفالية ثقافية، ولكنه كان إبحاراً في الذاكرة المكانية والزمانية الجميلة، عبر عنه المكان الذي أقيمت فيه، كما عبرت عنه الأعمال الفائزة بالجائزة، لترتوي الظفرة من هذا الزخم الثقافي الذي يضخه مهرجان الكتاب فيها من عام إلى عام.
يسقي الظفرة ويرويها