القراءة.. مفتاح الوعي

علي ابو الريش

ما ارتقت أمة  ولا ملأت وعاء الحياة بحضارة مبدعة  إلا وكانت القراءة مفتاح وعيها، وسبر تفوقها وسر نهضتها.
فللقراءة سحر التألق وبحر التدفق، وجذر السمو والسموق، وهي ترياق التطور وتفتح أزهار الجمال،وذهاب الأغصان إلى السماء، وتفرع الأشجار في جهات النضوج، وامتداد أفق البلاغة في ضمير الوجود، وتفتق النبوغ في وجدان الأجيال.
الإمارات وبفضل القيادة الرشيدة، جعلت من القراءة قاموس المحيط، ومن إجادة التلامس معها مختار الصحاح، ومن بذخ تقمص كتابها المفتوح علامة بارزة للوعي والاندماج مع العالم بحبر الكلمات الرخية، والجملة الفعلية الثرية بقواعد التواصل والنمو معرفياً، وازدهار حقول حياة بكل ما يمنح الإنسان هوية الانتماء إلى الخلق والإبداع، وصناعة الجمال في مختلف نواحي الحياة، وجهاتها الواسعة، أحلامها الزاهية، وطموحاتها بالغة الذروة، وأهدافها ذات القمم الشم.
منذ البدء والإمارات تضع للقراءة نواميسها التاريخية، وترسم صورة الإنسان العاكف على كتاب، المستمرئ قراءة ما بين سطور التفاصيل في هذه الحياة، وما تكتنفه من أحلام وتطلعات تنبئ بفصيلة من عبقريات، تزين وجودنا بأعمال تحفظ الود مع الحياة، وتحميها من عبثية الغوغاء، وترعاها بالكلمة الحسنى، وطيب المعشر وسلامة القريحة، ونقاء الضمير، وصفاء الروح.
في القراءة يصفو بحر الثقافة، وتصبح قماشة نقية من خربشات العقول الملوثة، وفي القراءة يعلو صوت القيم، وترتفع رايات الشيم، ويصبح الإنسان محور البناء، وجوهر العطاء، وساعداً صارماً حازماً في كف الأذى عن معطيات الحياة،  وتصير العلاقة بين الإنسان وأمه الأرض علاقة النهر بالشجرة، وعلاقة البحر بالزعنفة، تصير العلاقة عنقود عنب وتين وزيتون.
هذه هي القراءة، وهذا سحرها وتدبيرها، وهذه هي فطنتها، وحكمتها وسر فضيلتها وأصل مكانتها بين الشعوب.
نحن اليوم في عصر أصبحت فيه القراءة يسيرة لا عسيرة، وأصبح الطفل والكبير في كنف القراءة  يجد ضالته وأمنيته،  وأصبحت القراءة متوفرة بطرق كثيرة، وإذا كان الكتاب القمر الأزلي الذي بزغ في سماء القراءة، فإننا اليوم نلقى القراءة  تستلقي على الصفحات الإلكترونية، وبأجهزة بحجم كف اليد، وفي متناول الجميع أينما حلوا وارتحلوا لا مجال للتقاعس والكسل  فهي تطل علينا بمختلف الوسائل والأدوات، وما على الإنسان إلا أن يشد الرحال إلى مضاربها، ويعلن رغبته وإصراره على عقد علاقة الود معها، وسوف تقول له هيت لك.
للإنسان صعوبة في تقبيل الكلمة بروح شفافة، ونفس طيعة، وعقل مفتوح، وقلب لا يغلق نافذة، ولا يوارب باباً، لأنه على يقين من أن القراءة أم القصيد التي تحدثت عن نبضاته، وأسباب سعادته وشقائه، إذاً نحن فقط بحاجة إلى اقتحام النهر  لنقطف سر العذوبة بين شفاه الكلمات، ونمسك بعضد اللغة لتكون دليلنا إلى النجاة من نار الجهل، والأمية الثقافية.