قال: إن شئت الحق، فإن الرجل لم يقل هُجراً، ولم يأتِ شيئاً نكراً. بل إن بائيّته برهانها منها فيها، كالسمكة الدسمة دهنها يقليها. إذ لا تستطيع الآداب والفنون الكلام إذا هدرت القاذفات العملاقة، أو لاحت حاملات الطائرات. لكن هذا النوع من المقاربات خطأ من وجوه عدّة، في زماننا تحديداً. منذ الجاهلية كان الشاعر يضطلع بمسؤوليات شتى، تحمّلها بحكم عادات بيانيّة متوارثة. كان يلعب أدوار وزارة الإعلام، وسائط الإعلام، المفكّر، الحكيم، الشاعر، الخبير الاستراتيجي… لذا نراه في أحيان كثيرة يضع قدمه في نعل غيره. انظر المتنبي كيف يرتدي جلد برجنسكي أو كيسنجر: «أعلى الممالك ما يُبنى على الأسلِ»: أعظم الدول ما يُشاد على القوة الدفاعية الضاربة. لا مجال للنقد الأدبي هنا، فالتحليل المناسب يقع في الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، أو في الأقل كلية العلوم السياسية، ضمن تاريخ الفكر أو الأفكار السياسية.
قلت: الثقافة العربية في هذه الحقبة بالذات، في مأزق لا تُحسد عليه، فالمفارقات لا تحصى. لا بدّ من بحث هذه القضايا بالتشارك الفكري بين المناهج ونخب الفكر والثقافة، وخبراء النفس، لمَ لا؟ إذا أهملنا ما عَجِل به لسان القلم فسمّاه «ثقافة الحرب»، فإن الإغفال سيكون إساءةً لا تُغتفر لتراثنا الأدبي، وإذا درّسناه، فسوف تحدث المفارقة الكبرى في أذهان الطلاب: لماذا هذه الهوّة الهاوية بين العرب وتراثهم؟ ما هذا الاختلال في توازن العالم العربي، وهشاشة العظام والتفكك والنسيان؟ لكن على المناهج أن تدرك أن طلاب الفرع الأدبي في الثانوية والجامعة، سيتساءلون عن تناقض العرب مع ميراثهم الثقافي. فهل ستكون سريعة البديهة في الأجوبة، وإعادة التخطيط؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الطبية: عندما يغدو جهاز المناعة الثقافية غير فعّال، فالأمر يحتاج إلى حالة تأهب قصوى
جريدة الخليج