يناقش الأديب الإيطالي ألبرتو مورافيا في قصته الجميلة «امرأة عادية»، العلاقة الملتبسة بين البسيط والمعقد. تقول المرأة «العادية»، حسب وصفها لنفسها، وهي تتحدث عن ذاتها: «المشكلة هي أني عندما أكون في أتعس حالاتي أكون سعيدة بتعاستي، أنا معقدة أليس كذلك؟» لكن المرأة سرعان ما تطرح على نفسها، وعلى الآخرين، السؤال التالي: «أود أن أعرف من هو وما هو غير المعقد؟ في المدرسة تعلمتُ أنه يوجد كائنات لها خلية واحدة، لذا يسمونها وحيدات الخلية، وأنا مستعدة للقسم أنه إذا أعطيت هذه الكائنات حق الكلام فإنها ستصرخ على الملأ: «نحن معقدات، معقدات بشكل فظيع».
لا أعلم إذا كان هناك أوجه شبه بين هذا التناول للعلاقة بين «العادي» و«المعقد»، وبين ما نطلق عليه في الكتابة «السهل الممتنع»، من الزاوية التالية: إذا كان حتى العادي معقداً، فليس كل ما يبدو سهلاً خالياً من العمق. وفي أدبنا العربي فإن المثال الذي يعتدّ به في «السهل الممتنع» هو طه حسين، الذي جمع بين عمق المحتوى وسلاسة العبارة، ما جعل من قراءة كتبه ليست فقط حاملة للفائدة المعرفية وحدها، وإنما لمتعة التلقي أيضاً، لكن «السهل الممتنع» ليس شأناً خاصاً بأدبنا العربي وحده، ويعطينا مترجم «الوليمة المتنقلة» إلى العربية، التي أتينا على ذكرها قبل يومين، اسم إرنست همنغواي كمثال على «السهل الممتنع» في الأدب المكتوب باللغة الإنجليزية، كونه انتقل بالكتابة الإنجليزية «من مرحلة التعبير المنمق إلى التعبير البسيط المتواضع»، ما جعل منه كاتباً ملهماً لكتّاب آخرين أتوا من بعده.
على سبيل المثال، يقول غابرييل غارثيا ماركيز إنه تعلّم من إرنست همنغواي، الذي لا يعتبره بالمناسبة روائياً عظيماً إنما كاتب قصة ممتاز، درساً ثميناً مفاده «أن الكتابة السرديّة مثل جبل الجليد، يجب أن يدعمها الجزء غير المرئي، الذي يتلخص في كل الأفكار والدراسات والمواد التي تم جمعها»، أما أديبنا السوري الراحل حنا مينه، الذي يؤمن، حسب قوله، بالمقولة الفلسفية اليونانية القديمة القائلة: «لا شيء يخرج من اللاشيء»، فيشير إلى تأثره، في بداياته على الأقل، بروايات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ورضوان الشهال من الأدباء العرب، كما أنه أحبّ ديكنز وبلزاك، لكنه يرى أن همنغواي واحد من اثنين يجدهما الأقرب إليه، أما الثاني فهو مكسيم غوركي.
السهل الممتنع بالإنجليزية
جريدة الخليج