تعتبر المطربة العراقية من أصول أرمينية «سيتا هاغوبيان»، المولودة بمنطقة الجنينة بالبصرة في 28 يوليو 1950، أحد الأصوات الغنائية العذبة التي أنجبها العراق، إلى درجة أنها لقبت بـ«فيروز العراق» لأربعة أسباب: أولها تميز صوتها بالرقة، وثانيها إدخال الآلات الغربية كالغيتار والبيانو في أغانيها، وثالثها تقديمها لخمس أغنيات من ألحان إلياس الرحباني، ثلاث منها للأطفال (أغنيات «اسمي رائد» و«لو كان عندي قطار» و«دللوه»)، وهي أمور تشترك فيها مع السيدة فيروز.
نشأت هاغوبيان في بيت فني/رياضي. فوالدها «ارشاك بدروس» كان لاعب تنس مثل العراق في عدد من البطولات في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، علاوة على إجادته العزف على البيانو، وعمها «جميل بطرس» كان رباعاً رياضياً مثل العراق في بطولات رفع الأثقال وفاز بالميدالية الفضية في إحدى البطولات التي أقيمت في القاهرة عام 1954، علاوة على إجادته العزف على الإيقاع. ولهذا تأثرت سيتا بوالدها وعمها فبدأت الغناء في سن الرابعة بالنادي الأرمني وبمدرستها في البصرة، وكانت تهوى حينذاك ترديد أغاني فيروز.
بدأت سيتا مشوارها الغنائي عام 1968 بأغنية حملت اسم «الوهم» من كلمات الشاعرة نازك الملائكة وألحان حميد البصري، ثم ظهرت على المسرح مع شوقية العطار وفؤاد سالم وقصي البصري في أوبريت «بيادر الخير» الذي يعتبر أول أوبريت في تاريخ العراق والذي عرض في البصرة عام 1969 حول أوضاع وحياة الفلاحين في ظل العائلات الإقطاعية في العصر الملكي قبل ثورة 14 يوليو عام 1958.
في سبعينيات القرن الماضي تسيدت سيتا الساحة الغنائية، وقدمت العديد من الأغنيات من تلحين ثلة من أبرز ملحني العراق آنذاك مثل طارق الشبلي وخالد إبراهيم وكنعان وصفي وفاروق هلال، كما لحن لها في تلك الفترة إلياس الرحباني والملحن اليمني أحمد قاسم. وكان أحد أسباب تألقها، عدا عن صوتها المميز، قيامها بتجديد الأغنية العراقية وإخراجها من النمطية والرتابة والموسيقى الحزينة إلى عالم موسيقى البوب الراقصة، ناهيك عن دخولها مجال التمثيل التلفزيوني، بدليل ظهورها في 4 أعمال درامية في الفترة ما بين 1973 و1976 هي: تمثيلية «شهر عسل في الرميلة»، ومسلسل «الطائر الأسود»، وتمثيلية «بائعة البنفسج»، وتمثيلية «تحقيق عن أم حميد».
ويمكن القول إن حقبة السبعينات من القرن الماضي شكلت المرحلة الذهبية في حياتها، فقد انتشرت داخل العراق، ولاسيما بعد انتقالها من البصرة إلى بغداد، وجالت عدداً من البلاد العربية والأوروبية والآسيوية لإقامة حفلات غنائية، ومنها حفلات في القاهرة والجزائر عام 1974، وحفلتان في كل من أوزبكستان وموسكو عام 1975، ومشاركة في مهرجان الأغنية السياسية في ألمانيا ومهرجان أورفيوس البلغاري عام 1976، وحفلة في أسبانيا عام 1978، وحفلتان في كل من دولة الإمارات ودولة قطر عام 1979.
غير أن سنوات الثمانينيات بما حملته من مآسٍ وحروب وما رافقها من انحدار الغناء العراقي كلمة ولحناً، جعلها تقرر التوقف عن الغناء والاتجاه إلى دراسة السينما والإخراج، الأمر الذي مكنها من إخراج عدد من الأعمال التلفزيونية ذات الطابع الخاص بصحبة زوجها المخرج عماد بهجت.
ومع تردي أوضاع العراق المعيشية وانحدار مستوى الأعمال الفنية بسبب إجبار الفنان العراقي على تقديم أعمال تمجد القيادة السياسية، قررت سيتا أن تغادر بلدها للاستقرار في إحدى الدول الخليجية، بينما استقرت ابنتاها، نوفا ونايري، في كندا وبرزتا هناك في مجال الغناء والإخراج على التوالي.
غنت سيتا هاغوبيان نحو 45 أغنية متنوعة، منها أغنيتان باللغة الكردية، ودويتوين مع سعدون جابر، وأغنيتان لبغداد. ونشيد لفلسطين (كفاني أموت على أرضها لفدوى طوقان)، ونشيد لسوريا (حارس الهوى لسليمان العيسى). ومن أشهر أغانيها: «غني شقد ما تقدر غني»، «جنت وأنت صغيرون»، «بهيدة»، «ما أندل دلوني»، «قلبي خلص والروح»، «ويلي ويلي»، «ليل السهر»، «الولد الولد» و«شوقي خذاني».
سيتا هاغوبيان أو «فيروز العراق»
جريدة البيان