وقائع أوكرانيا وغزّة غيّرت مسار العالم إلى غير رجعة، لكن، إلى أين المسير والمصير؟ ماذا بعد الإشارة المرورية: «أمامك تحويلة»؟ هل يُعقل أن يعوّل المفكرون والباحثون على وجهات نظر الإعلاميين، أو حتى أولئك الذين تستضيفهم الفضائيات كخبراء استراتيجيين، في شأن جلل كقراءة المستقبل العالمي، وأشدّ حساسية منه، من منظارنا نحن، مقبلُ أيّام العالم العربي؟ مصير الأمّة ليس هرطقات «يا ضاربين الودع» أو تخرّصات: «جلستْ والخوف بعينيها.. تتأمّل فنجاني المقلوب». نزار، عليه رحمة الله، خانته الصورة فخانه التعبير: فما مبرّر الخوف بعينيها والفنجان مقلوب؟ إلاّ أن تكون مقلتاها تعملان بالأشعة السينيّة، فترى ما بداخل الفنجان وهو مقلوب؟ لا علينا، فالوضع إقليميّاً وعالميّاً هو المقلوب، وعلينا هو المكتوب.
عربيّاً، على أهل الفكر والدراسات المستقبليّة، في مطلع كل عام وفي الأحداث الكبرى، ألاّ يتركوا مكانهم ومكانتهم لألاعيب المنجّم والعرّافة وسائر بائعي الخرافات. أليس عيباً في حقّ الأمّة أن يكون المفترون على الكواكب والنجوم، أشهر في الفضائيات من أكبر المفكرين العرب؟
الحديث عن عموم الشعوب لا عن أوساط النخب الثقافية. شؤون الاستشراف تحتاج إلى أدمغة من الوزن الثقيل في الجغرافيا السياسية والاستراتيجيّة والعلوم السياسية والاجتماعيّة، وهذه أمور تتجاوز الصور الكاريكاتورية في القنوات، التي يملأ الكثير منها الفراغ بترقية مراسليه ومندوبيه إلى رتبة محللين سياسيين، وأيَّ ضيف إلى خبير استراتيجي، في حين أن الفضائيات في أوروبا، مثلاً، تنقسم إلى قسمين: فئة تقيم ندوات لمفكرين ومحللين من طراز أكاديمي رفيع يتحلّون بالموضوعية والغزارة الاستدلالية، إن اتفقوا وإن اختلفوا، وفئة تحليلها زاخر بمهارات الخداع الذهني، خدمة لأغراض «المجتمع الدولي»، فعلى المتلقي أن يجعل من دماغه جهازاً لكشف الأكاذيب. تبقى الموضوعيّة قيمة عليا.
لزوم ما يلزم: النتيجة الارتقائية: هذا الطرح ليس مقترحاً، بل أمنية يتبوّأ بها الفكر مكانه من نار الأوضاع.
نحو حضور للفكر الاستشرافي