You are currently viewing ‎رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري عن 85 عاماً

‎رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري عن 85 عاماً

عن 85 عاماً رحل يوم الخميس 26 ديسمبر 2024 المفكر البحريني الدكتور محمد جابر الانصاري، المستشار الثقافي والعلمي لملك البحرين واستاذ دراسات الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر، والذي يعد واحداً من أبرز المفكرين العرب لعدة عقود، والحاصل عام جائزة سلطان العويس في الدراسات الإنسانية والمستقبلية (الدورة الخامسة) وجاء في قرار منح الجائزة (تميزت أعمال د. محمد جابر الأنصاري باتساق الرؤية الفكرية في إطار مشروع نقدي للفكر العربي السائد تطلعاً إلى تجديد المشروع النهضوي، كما تميزت رؤيته الفكرية بالتشخيص العيني للواقع العربي في أبعاده السياسية والاجتماعية والحضارية في حقلي التراث العربي الإسلامي وفكر عصر النهضة).

ولد الأنصاري عام 1939 في مدينة المحرق، التي تعتبر عاصمة البحرين القديمة، وهي مسقط رأس العديد من الأدباء والشعراء الكبار، حيث تلقى الأنصاري تعليمه الابتدائي على يد مجموعة من المدرسين العرب من مختلف التيارات الفكرية. كما قام بتثقيف نفسه ذاتياً من خلال مكتبتها التي كانت تضاهي المكتبات الجامعية، بالإضافة إلى احتضانها لأول مدرسة للبنات، وهي مدرسة خديجة الكبرى.

ثم انتقل إلى مدينة المنامة لاستكمال دراسته الثانوية عام 1958 وبعدها تابع دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت التي كانت مليئة بالحياة الفكرية والسياسية والعلمية، واستمر في دراسته هناك حتى نال درجة الدكتوراه في عام 1979.

في بيروت، التي يعتبرها من أهم محطات حياته الأكاديمية، التقى بإحسان عباس وقسطنطين زريق ويوسف إيش وحمد يوسف نجم ونديم نعيمة، الذين كانوا أعضاء في لجنة مناقشة رسالته للدكتوراه، كما تعرف على أستاذه وصديقه الشاعر خليل حاوي وكمال اليازجي، وواصل دراسته من خلال دورات أكاديمية في كامبردج والسوربون حتى حصل على درجة الأستاذية.

بدأ الأنصاري مسيرته التدريسية في عام 1964 وفي عام 1966، شغل منصب أستاذ للغة العربية والأدب العربي في المعهد العالي للمعلمين الذي تم تأسيسه في ذلك العام. وفي عام 1969، أصبح أول رئيس لـ “أسرة الأدباء والكتاب في البحرين”.

ترك وراءه إرثاً أدبياً غنياً وسيرة حافلة بالعطاء للبحرين، وتميزت أعماله بتناسق الرؤية الفكرية ضمن مشروع نقدي للفكر العربي السائد، ساعيا إلى تجديد المشروع النهضوي، كما عُرفت رؤيته الفكرية بتشخيص دقيق للواقع العربي في أبعاده السياسية والاجتماعية والحضارية، مع التركيز على التراث العربي الإسلامي وفكر عصر النهضة.

يعتبر المفكر البحريني الراحل من أبرز الباحثين في فكر ابن خلدون، حيث يدعو إلى إعادة النظر في الذات العربية، واستند إلى آراء ابن خلدون في تحليل الواقع العربي والإسلامي، مشدداً على أهمية الاستفادة من ثورته الفكرية. ويشير إلى أن ابن خلدون، من خلال مقاربته التاريخية، تجاوز الفهم الرومانسي العجائبي الذي لا يزال يؤثر على العقلية العربية، وبدلاً من ذلك، اقترب من القوانين الثابتة والفاعلة التي تحكم حركة العالم بين الماضي والحاضر. وهذا يبرز في كتابه “لقاء التاريخ بالعصر: دعوة لبذر الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العصر”، حيث يتجاوز النظرة التمجيدية للتراث التي يتبناها آخرون.

على الرغم من انشغالات الأنصاري الأكاديمية، استمر في تقديم مساهماته الصحفية في مختلف الإصدارات العربية، حيث بدأ مسيرته منذ أيام دراسته الثانوية في جريدتي القافلة والميزان تحت اسم مستعار هو “نصار”، وهو الاسم الذي أطلقه عليه أحد أساتذته المصريين. وفي عام 1966، كتب في “الأضواء”، التي كانت الجريدة الوحيدة في البحرين في ذلك الوقت.

حصل على العديد من الجوائز، منها جائزة الدولة التقديرية في البحرين، وجائزة سلطان العويس في الدراسات الانسانية والمستقبلية، وجائزة منيف الرزاز للدراسات والفكر. كما نال جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عن كتابه “تحولات الفكر” عام 1981، وجائزة الدولة التقديرية للإنتاج الفكري في البحرين عام 1989، ووسام قادة مجلس التعاون في قمة مسقط في نفس العام. وفي تلك الفترة، اختاره ملك البحرين حمد بن عيسى، عندما كان ولياً للعهد، ليكون مستشاراً ثقافياً وعلمياً في ديوان ولي العهد، ولا يزال يشغل هذا المنصب حتى رحيله. وفي عام 1999، حصل على عضوية أكاديمية المملكة المغربية.

أصدر الأنصاري، أكثر من عشرين مؤلفًا في مجالات الفكر والأدب والثقافة والسوسيولوجيا السياسية. من أبرز مؤلفاته: “العالم والعرب” عام 2000، و”تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي” الذي صدر ضمن سلسلة عالم المعرفة، و”الفكر العربي وصراع الأضداد”، و”الحساسية المغربية والثقافة المشرقية”، و”التفاعل الثقافي بين المغرب والمشرق”، و”تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها”، و”تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القُطرية”، و”التأزم السياسي عند العرب وموقف الإسلام”، و”العرب والسياسة: أين الخلل؟”، و”رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية وشواغل الفكر بين الإسلام والعصر”، و”انتحار المثقفين العرب وقضايا راهنة في الثقافة العربية”.