صدر للناقد العراقي الدكتور عبدالله إبراهيم كتابه الجديد بعنوان “كتاب المقالات” عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في حوالي 500 صفحة، تضمن الكتاب ثلاثا أربعين مقالة بين طويلة ومتوسطة وقصيرة مع شهادات شخصية بعدد من كبار الشخصيات، والكتاب يمثل إضافة نوعية لصاحب” موسوعة السرد العربي” و” المطابقة والاختلاف”، وحوالي نصف مقالات الكتاب عبارة عن بحوث موسّعة عن “مفهوم السردية” و” الكتب الشرهة” و”هوية الشعر” و “سجدة الشعر” و”الآخرون الأغيار” و”الوجودية بعد طول تأمّل” وغيرها، وهي تستوفي كثيرا من القضايا التي شغل بها عبدالله إبراهيم خلال تجربته النقدية والفكرية، ويلاحظ أن المؤلف نهج نهجا جديدا في كتابة المقالة فمزج بين القضايا وصلته بها أخذا بمكاسب “منهج الاعتراف” الهادف إلى كشف صلة الكاتب بموضوعه، وكيفية التعرف عليه، ولذلك، فالمقالات أشبه ما تكون بسيرة ثقافية للمؤلّف، وشهادة على عصره، فلم يكتف بتحليل قضايا شائكة إنما ألقى الضوء على علاقته بها، وكيفية تعرفه إليها، ورأيه فيها، وإلى ذلك فقد تجاسر وراجع كثيرا من الأفكار التي شغلته من قبل، وتوسّع فيها بهدف إثرائها.
قدمّ عبد الله إبراهيم لكتابه الجديد بمقدمة موجزة قال فيه ا”حينما فرغتُ من مجمل أعمالي النّقديّة والفكريّة، وألقيتُ نظرة إليها، وجدتُ فيها ثغرات نتجت إمّا عن عدم دراية، وإمّا عن عدم انتباه، وإما عن عدم استيفاء، وإمّا لأنّ مقامها لم يستوعب ما كنت أريده، وأرغب فيه، فذهبتُ إلى غيره، وجعلته موضوع اهتمامي. والحال، فمعظم مقالات هذا الكتاب استدراك لما لم أتمكّن منه من قبل، أو غوص في ما غاب عنّي، وأرغمتني عليه ملاحظة الظّواهر الثّقافيّة؛ وبعض منها كان جزءا من تجاربي الأدبيّة، ورأيتُ أن أقف عليها بما أستطيع، إمّا بتفصيل وإمّا بإيجاز؛ فغاية المؤلّفات الشّاملة الّتي تعالج ظواهر كبيرة غير غاية المقالات الهادفة إلى إلقاء الضّوء على قضيّة مفردة دون سواها. ولعلّ المقالات هي الأوفر حظّا في إتاحة الفرصة لأن يترجّل الكاتب أينما ارتأى، أو وجد ضرورة، ويحرّر ما يفكّر به، ويقلّبه على الأوجه الّتي تستوفيه حقّه. ولطالما لاحظتُ أنّ ذلك لم يتوفّر في كتبي الأخرى الّتي انتظمت في خطّة طويلة الأمد، وغايتها استيفاء مقتضى الموضوعات الّتي اعتنت بها. ومع ما يلاحظ من نزعة اعتراف في بعض هذه المقالات؛ إذ الغاية بناء الأفكار مرفقة بسياق علاقتي بها، فإنّ الهدف العام للكتاب هو استبطان ما تعذّر عليّ استبطانه في مؤلّفاتي السّابقة، واستغوار ما صعب عليّ القيام به من قبل”.
واحتوى الكتاب على مجموعة كبيرة من المقالات جاءت بأربعة فصول كالاتي: الفصل الأوّل: المقالات الطّويلة، وهي عن: “السّرديّة: حيثيّات المفهوم، ووظيفته النّقديّة” و”المؤلّفات الشَرِهة” و”كتم صوت أصيل” و”الأكاذيب السّرديّة بين الذّاكرة والخيال” و”إحدى عشرة دمغة في الخيال” و”الوجوديّة: بعد طول نظر” و “سَجدةُ الشّعر” و “هويّة الشّعر” و”الآخرون الأغيار”، وتضمن الفصل الثاني المقالات الآتية: أين هو بيت السّرد؟، والكتابة باللّسان، وكتب خارج السّيطرة ، والفئران الصّغيرة والجرذان الكبيرة ، ومنديل أمّي وحقيبة أبي، واعتراف متأخّر، وربما يكون في غير أوانه، وأهي من الخِصال الفضائل أم من العادات الرّذائل؟ والفصاحة السّرديّة الجديدة، والفطنة، والتّغالبُ الثّقافيّ، الأرشيف، الذّاكرة، والهويّة، وفضل المحاكاة السّرديّة، ودفاع عن الأباطيل. أما الفصل الثّالث فضمّ المقالات القصيرة: الأدب ورُهاب الانتظار، ثقافة الأسفار، ريميديوس الجميلة، والسّرد والمباغتة، والسّرد والثّقافة، والعزلة والأدب، والعزلة والمعرفة، وادي الحياة، وادي السيليكون، والجماعات الظّالمة والجماعات المتظلّمة، ولماذا لا تحمل العربيّة ثقافة أهلها إلى العالم؟ ومَرْحى أيّها الخائن، والأساطير الحديثة، والأعراف الشّعريّة، وأصحاب الرواية الواحدة. أما الفصل الرّابع فتضمّن شهاردات عن: فيروز: من اليوتوبيا إلى الدوستوبيا، وعن فاطمة المرنيسي: مُفكّرة راديكاليّة، وعن ياروسلاف ستيتكيفتش: من الاستشراق إلى الاستعراب، وعن انغمار برغمان: السّرّي والخاصّ في ذاكرة الأحاسيس، وعن جابر عصفور: أقفلَ البابَ، ورَحَل، وعن عبد الجبّار الرّفاعي: الكرامة والنّزعة الإنسانيّة في الدّين، وعن سالم الزّريقاني: ذكريات عن ناشر محترف.
وعبد الله إبراهيم مفكّر، وناقد، وأستاذ جامعي من العراق، متخصّص في الدراسات الثقافية والسردية. نال درجة الدكتوراه في عام 1991 من كلية الآداب، جامعة بغداد. وهو باحث مشارك في الموسوعة العالمية Cambridge History of Arabic Literature، وزميل معهد Sangalli للدراسات الثقافية والدينية في فلورنسا بإيطاليا، وعضو الهيئة العلمية لمعهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا، حاصل على عدد من الجوائز العالمية والعربية في مجال الفكر والثقافة، منها جائزة الملك فيصل العالمية في الآداب عام 2014، وجائزة الشيخ زايد للكتاب في حقل الدراسات النقدية في عام 2013. وجائزة سلطان العويس الثقافية في مجال الدراسات الأدبية عام 2023، وجائزة العلماء العرب لعام 1997، وهو عضو في المجالس الاستشارية والهيئات العلمية لعدد من مراكز البحوث، والمجلات الفكرية المتخصصة في العالم العربي. وشغل وظيفة أستاذ جامعي في عدد من الجامعات العربية. أصدر أكثر من 25 كتابا في مجال اختصاصه الفكري والنقدي، منها “موسوعة السرد العربي” في 9 أجزاء، و”المطابقة والاختلاف” في 3 أجزاء، و”أعراف الكتابة السردية”، و”الأرشيف السردي”، و”كتاب الأسفار”، وسيرته الذاتية “أمواج”.
عبد الله إبراهيم يصدر ” كتاب المقالات”