هل يقصد الروائي أن يكتب لجنس محدد؟ مناسبة السؤال مقابلة صحافية نشرت في باريس قبل أيام مع الكاتبة المغربية المعروفة ليلى سليماني. وسليماني مولودة في الرباط، تقيم في فرنسا وتكتب بالفرنسية. وهي قد فرضت اسمها على المشهد الثقافي منذ أن فازت روايتها الثانية «أغنية هادئة» بجائزة غونكور المرموقة. وتجدد النجاح في كتب تالية. وها هي تبدي أسفها لأن النظرة السائدة منذ وقت طويل هي أن النساء يكتبن للنساء بينما يكتب الرجال للجميع.
حاولت تطبيق رأي ليلى سليماني على ما هو موجود لدينا في عالمنا العربي. واستعرضت أسماء روائيات كثيرات شقت كتاباتهن طريقها إلى الانتشار، ووصل بعضها إلى جوائز عالمية. هل تكتب لطيفة الزيات وغادة السمان وهدى بركات وسحر خليفة ورجاء عالم وجوخة الحارثي للنساء دون الرجال؟ أقصد أن تضع الكاتبة في رأسها أن تخطب ود بنات جنسها، وأن تستهوي روايتها النساء في الغالب.
لو كانت الروايات التي تحتفي بالنساء وتتوسع في وصف واقعهن ومشكلاتهن هي نصوص موجهة للقارئات فحسب، لصار علينا أن نشمل في هذه الخانة روائيين كثيرين. يوسف إدريس وفؤاد التكرلي ويحيى يخلف ورشيد الضعيف وواسيني الأعرج وخالد خليفة ومحمد الأشعري وكل من وردت في رواياته شخصيات نسائية أساسية. وفي المقابل، هناك كاتبات ركزن على واقع المرأة بقوة، مثل نوال السعداوي وعالية ممدوح وليلى العثمان وعلوية صبح وحنان الشيخ وحزامة حبايب، من دون أن يغفلن الواقع الاجتماعي المحيط ببطلاتهن. ما كان يمكن أن حذفن الرجل من المشهد فهو أساس المشكلة. هذا مع حفظ المسافة بين السرد الإبداعي لهؤلاء الروائيات وبين الشكوى والبكائيات.
لعل السؤال الأكثر وجاهة هو: من يقرأ الكتب والروايات في زمننا الراهن؟ المطالعة تتراجع في العالم كله. وكثيرة هي النقاشات التي دارت حول جدوى الكتاب الورقي في زمن القراءة على الشاشة، أو الكتب المسجلة صوتياً. تقود سيارتك في ساعات الازدحام وأنت تستمع إلى رواية مقروءة بصوت هادئ ونطق لطيف. ومع واقع مثل هذا فإن رفوف المكتبات بدأت تختفي من البيوت. وكانت أشرطة الفيديو قد زحفت، قبل ثلاثين سنة، على الرفوف وأزاحت الكتاب المطبوع. وبعدها جاءت الأقراص المدمجة.
في اللقاءات الأدبية التي تقام خلال معارض الكتب العالمية، هناك غلبة ملحوظة للنساء بين الحضور. وكم من ندوة توجه فيها المقدم بالشكر والامتنان إلى رجل وحيد جالس في القاعة وسط عشرات الحاضرات. وهذا لا يخص تلك اللقاءات التي تعقد مع الكاتبات فحسب. في قراءة للشاعر محمود درويش دعي إليها في مهرجان بشمال إيطاليا، احتلت مئات النساء المقاعد بحيث ضاع بينهن رجال معدودون. تراهن دور النشر في أوروبا، وفي إيطاليا بالذات، على المرأة القارئة، زبونتها الأساسية.
ترى ليلى سليماني، في المقابلة المنشورة معها، أن مشكلات المرأة قد أخذت مساحة متزايدة في السنوات الثلاث الأخيرة. وهي تثير اهتمام القراء من كل الأجناس. وتعزز هذا مع انطلاق حركات التنديد بالتحرش وبالتعسف الواقع على النساء. لذلك، فإن «النسوية» لم تعد صفة تجاوزها الزمن بل فكرة ارتكازية حاضرة في الواقع الإعلامي والسياسي، إلى جانب النتاج الأدبي. وبالنسبة لها، فإنها حاولت من خلال كتابها «جنس وأكاذيب» أن تنقل مشكلة حقيقية تعاني منها مواطناتها المغربيات، يمكننا أن نسميها النفاق الاجتماعي. محظورات كثيرة يقابلها تواطؤ على غض الطرف. وهو نفاق نعرفه في عموم بلادنا، حين ترتفع نبرة الوعظ والتشدد الأخلاقي بينما تنخسف القيم والأخلاق.
جريدة الشرق الأوسط