حين كنا نذهب من المدرسة في أبوظبي إلى معرض الكتاب بالشارقة، وكان موقعه آنذاك بجانب إكسبو.. كنّا نعرف منذ بداية الثمانينيات أن الشارقة سوف تحضُر في الذاكرة الثقافية المحلية والعربية، لكننا لم نكن نتخيّل بأن تلك الذاكرة الطفولية ستحلّق بنا إلى فضاءات بعيدة ورحبة.. ولكن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بدأ منذ زمن بعيد في تجسيد رؤية حضارية للثقافة الإماراتية، وهو ما أصبح اليوم علامة إماراتية بارزة، تحملها أقلامنا وسطورنا وتراثنا العريق إلى كل أنحاء المعمورة. فمن قبل حلّت الثقافة الإماراتية في لندن، ومن بعد ارتقت في باريس، وها هي ساو باولو البرازيل تفتح حضنها الدافئ، وترحب بسلطان الحضارة، وترحب بالشارقة الثقافة ترحابا جميلا، وتحتفي بالإمارات في كل ركن فيها، وكأنما يجمعنا انتماء خفي بعد طول غياب. تحضر الشارقة بمعرض الكتاب في ساوباولو، وتغيب المدن العربية، تتوهج الشارقة بنورها المعتاد ساطعة مبتسمة، وتقابلها وجوه برازيلية في مكونها العريق، وفي مكنونها رائحة القهوة العربية، وفي صباحها رذاذ المطر، يسترسل بمخيلتنا لغة برتغالية حميمية، لا نجيدها بل نعرفها قدر المعرفة بكتّابها وأدبائها. لقد كانت مكانة للشيخ سلطان بن محمد القاسمي جلية في قلوب محبيه المترقبة، ووددنا لو حضر هذه المناسبة لكانت سعادتنا أجمل، سعادة لا يمسها سوى ذلك الشغف الكبير لرؤيته، والاستئناس بفكره النيّر، وسموه الذي قدم في فكره ورؤاه، فعزز الحراك الثقافي بكتب ثرية.. ما يجعلنا دائما نسائل أنفسنا: كيف نقدم الشكر لسموه، وهل ما يوازي هذا العطاء من شكر أو ثناء، أو كيف نرد الجميل، والأقلام ينحسر حبرها أمام ذلك المد الحضاري من سمو العطاء؟
يكفينا أنه بتوجيهاته، تمت ترجمة أمنياتنا الكبيرة في كتبنا التي ترجمت إلى لغات عالمية، وبهذا تتجدد خلايانا الكتابية، ويتجدد العطاء بالروح التي ترى كتّابا وأدباء يغلب عليهم روح المثابرة في الوفد الذي حضر في ساو باولو، وترى حماس المسؤولية الوطنية التي تتحلى بها كل المؤسسات الثقافية المشاركة، وهي المسؤولية نفسها التي بدرت من سفارتنا هناك ممثلة في الأستاذ إبراهيم العلوي، حيث تم تذليل الصعاب وتجسيد روح المحبة الإماراتية، وهذا ما جعل رواد المعرض من البرازيليين ينصتون باهتمام وتفاعل للأهازيج الإماراتية، وما جعل النساء يقبلن على ارتداء الملابس والحلي الإماراتية، وهم جميعا ينصتون بفرح.. إنه الموروث الإماراتي من فنون وثقافة الذي يثير الدهشة الجميلة أينما حل.
جريدة الاتحاد