بكى القمر.. غلبه دمعه.. فقد وليفته التي ابتلعته ذات صباح، فباح لها بأسرار النور والتوهج.. فمنحته سدة الشعر ونور الحروف وجعلته على كل لسان.. مذ ابتلعته صارا صنوينِ من ضوء وضياء.
عوشة الشاعرة، فتاة الخليج، فتاة العرب، كلها ألقاب لقمر الشعر الإماراتي والخليجي وسيدة حرفه بلا منازع.. كتبت فكانت في الصدارة مع أول حرف من حروف القصيد.. أسرت القلوب وشنفت الآذان.. وسارت الركبان تنشر بديع قوافيها.
غنى لها المطربون.. دخلت كل بيت وانتظر جديدها بلهفة العشاق كل قلب، قصائدها دانات فريدة المعنى والمغزى والعبارة.. بديعة اللفظ، أسلوبها سهل ممتنع، له حلاوة المباشرة وسر غموض المفردة المبتكرة، تغوص عميقاً وترتفع عالياً.
في إحدى يديها غصن من غيم تصب مطره حيث تشاء، وفي يدها الأخرى عبق الأرض تخرج من كنوزه ما تشاء وتشكل من الاثنين قلائد شعر فريدة لا يجيد صياغتها سواها. جعلت من قصائدها هواءً يتنفسه كل باحث عن الفرادة وجودة الشعر الذي به مس من السحر لفظاً ومعنى.
وكأنها تختبر ذائقتنا الشعرية توقفت بإرادتها عن كتابة الشعر، فازدادت ألقاً على ألق، واتسعت مساحة الباحثين عن إبداعها، وظلت في القمة كما هي دائما.
لا يذكر الشعر في الإمارات إلا كان اسمها في صدارة صدارته.. وظل قصيدها يضيء ولو لم يمسسه نور.
عوشه بنت خليفة السويدي.. سيدة الشعر وقامته الباسقة في سماء الإمارات ودعتنا يوم الجمعة الماضية منتقلة إلى رحاب الله مسدلة الستار على حياة زاخرة بالعطاء والبذل والشعر. ودعتنا وتركت لنا من الجواهر واللآلئ والداناتها ما لا يعد ولا يحصى، وأعادت للقمر ما استودعها إياه ليبكي هو والقصيد فقيداً لا يضاهيه فقيد.
رحم الله عوشة بنت خليفة السويدي وأسكنها فسيح جناته وألهم الشعر وأهلها وذويها ومحبيها الصبر والسلوان.
جريدة الخليج