أثناء تعليقي على رواية في قراءة جماعية، أخبرت الحضور أني وجدت طرافة في الكثير من المواقف التي مر فيها بطل العمل، حتى إنني كنت أضحك بصوت مرتفع وكان تعليقي ذاك في عرض مقومات العمل؛ ولكني فوجئت بسؤال، ما المضحك فيما قرأتِ؟ وخصوصاً أن الرواية لم ترق لأغلبية الحضور من قريب ولا من بعيد. الحقيقة، تذكرت هذا السؤال الذي لم أجب عليه لعدم تذكري فعلا ما أضحكني، وعدم محاولتي، أساساً، استرجاع ذلك لفهمي تماماً أن تجاربنا المختلفة مع الدعابة هي شأن غريب، فما يضحكنا قد لا يكون له أي دلالة أمام غيرنا. ورغم أن هذا طبيعي تماماً، إلا أن أغلبنا لا يدركه إلا بالتجربة والتعرض لثقافات مختلفة بما تعنيه الكلمة من مستويات علمية متباينة للبشر، وامتدادات جغرافية ممتدة لها أبعادها النفسية على الناس الذين يتعاطون مع بيئاتهم بأساليب كثيرة، منها الاستخفاف بالصعاب عبر الدعابة.
إن ما يثير ضحكنا نحن العرب يختلف عما يثير ضحك الإنجليز الذي يختلف عما يُضحك الماليزيين. وهذا التمايز في إدراكنا للدعابة والطرفة يجعل من بعضنا سَمِجاً أحيانا أمام آخرين، أو العكس. ما دفعني للبحث في هذا الموضوع هو قراءتي خلال هذه الفترة لعدد كبير من قصص الأطفال، وإحساسي المتصاعد أني أفقد البوصلة في تقييم ما بين يدي، إذ كيف لي أن أحدد أي قصة دون غيرها قد تضحك طفلا دون تجربة ذلك فعلا. كيف لنا نحن الكبار عندما نكتب للصغار أن نجعلهم منجذبين لما نكتبه، ونحن هنا نتحدث عن طفل لم يتعرض لتجاربنا الثقافية ولم يتعاط بعد بالشكل الكافي مع قيم مجتمعه ومعطيات بيئته!
يعتقد البعض أن ما يضحكه سيضحك ولده بكل تأكيد، وهذا أمر محبط في أغلب الأوقات، فما يحدث عكس ذلك تماماً، وهذا أحد أسباب اتساع الهوة بين الأجيال، وذلك رغم أننا نناقش هنا مفهوماً ترفيهياً كمالياً، ولكنه -وللأسف- هيكلياً في بناء علاقات التواصل مع بعضنا البعض. في يوميات مشاغب للكاتبين الإماراتيين جمال الشحي، ومحمد خميس، قدما رداً على كل تساؤلاتي السابقة ورؤية مختلفة لمفهوم الدعابة للأطفال عما اعتدنا عليه نحن في سنوات قراءتها الأولى. فعبر سلسلة من قصص هذه الشخصية التي طرحت في خمسة أجزاء، تمكن الكاتبان من جذب آلاف الأطفال إلى القراءة، وهذا ما شاهدته بنفسي من حرص أطفال عائلتي الكبيرة في الحصول على كل الأجزاء، بل وإنهائها في وقت قياسي عكس ما يبدونه من حماس أثناء قراءات أخرى قد أشاركها معهم. وهو ما استدعى قراءة خاصة سأشارككم نتائجها في مقالي المقبل.
جريدة الاتحاد