قبل عقود من الآن، في مطالع سبعينات القرن العشرين، وفي واحدة من أعرق المكتبات في البحرين، المكتبة الوطنية، في محلها القديم بالمنامة، أبصرتُ المرحوم الأستاذ حسن الجشي، أحد أبرز وجوهنا الأدبية والتنويرية في القرن الماضي، والذي أصبح، لاحقاً، أول رئيس لبرلمان منتخب في البلاد عام 1973، وهو يقلب كتاباً أخذه من أحد رفوف المكتبة.
دنوتُ من الأستاذ الجشي محيياً، وربما كان الفضول دافعي لمعرفة عنوان ومؤلف الكتاب الذي كان يتصفحه، فعرفتُ أنه مترجم من اللغة الفرنسية، وإن لم تخني الذاكرة، فإنه كان لروجيه جارودي، يوم كان جارودي لما يزل يسارياً.
التفت الأستاذ نحوي قائلاً، وهو يبتسم، فيما يده تعيد الكتاب إلى حيث كان على الرف: كتاب بهذه الضخامة، ولجاردوي شخصياً، وفي الفلسفة، يلزمه وقت طويل، لم يعد متاحاً لنا.
إذاً الخشية من الكتب الضخمة ليست وليدة اليوم، ولا علاقة لها بانشغالاتنا بوسائط التواصل الحديثة على ما يشاع، بل إنها سابقة لذلك بكثير، بحيث إن مثقفاً كبيراً مثل الأستاذ الجشي أبدى، في حينه، ملاحظة كهذه.
في مطلق الأحوال، هذه ليست دعوة لأن لا نقرأ الكتب الضخمة، والصعبة، فالمعرفة الجادة لا تتأسس إلا بمثل هذه الكتب الفكرية والفلسفية والأساطير والروايات الكلاسيكية، لكن مهمة تعميم المعرفة وإيصال الكتاب إلى أوسع الشرائح، تتطلب التفكير في سبلٍ تيسر تحقيق هذه المهمة.
في آخر زيارة لي للقاهرة، استوقفني في مكتبة الهيئة العامة للكتاب ب «وسط البلد»، مجموعة من الكتب الشائقة، مطبوعة في كتيبات حجمها ليس أكبر من حجم راحة اليد، يصدرها قطاع الثقافة في مؤسسة «أخبار اليوم»، ويشرف عليها الكاتب المعروف عزت القمحاوي، الذي كان أحد أهم أعمدة أسبوعية «أخبار الأدب» معية الراحل جمال الغيطاني.
تصدر هذه الكتب ضمن سلسلة بعنوان «الروائع»، وكان بالإمكان، في تقديري، أن يطلق عليها عنوان دال على شكلها، من نوع «بحجم راحة اليد»، لكن لا بأس، فما بين دفتي كل كتاب من هذه الكتب الصغيرة في الحجم يدخل في نطاق «الروائع» فعلاً، روائع الأدب بصورة خاصة.
سأذكر هنا عناوين الكتب التي اقتنيتها، يومها، من هذه السلسلة، علّها تعطيكم فكرة عن غنى محتوياتها، فمن ترجمة المترجم القدير من الإسبانية صالح علماني تصادفنا رواية «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه»، لجابرييل ماركيز، ورواية «أورا» للكاتب المكسيكي كارلوس فوينتس.
ومن ترجمة د.أنور ابراهيم نقع لكتاب ليونيد جروسمان «نساء في حياة ديستوفسكي»، وهو كتاب جدير بالوقوف أمامه لنجد كيف تجلت نساء هذا الكاتب في الشخصيات النسائية لرواياته، كما يصادفنا كتاب «المذكرات» للشاعر بيرم التونسي، التي يحكي فيه مرارات المنفى فترة إبعاده عن مصر، وهناك كتاب لا يمكن أن نمر عليه مرور الكرام، وعنوانه «أنا القمر» وهو قصص شعبية صينية ترجمها طلعت الشايب.
جريدة الخليج