بمرسوم من صاحبة الجلالة المرأة، التي يصادف يومها العالمي غداً الإثنين، تقرر نقل مقالي من موعده الأسبوعي الثابت، كل يوم إثنين، إلى اليوم الأحد، هذا الأسبوع فقط.
حملت إليّ هذا الأمر السامي، رسالة نصية من سكرتير التحرير الزميل بركات شلاتوة، يستأذنني فيها أن يتم نشر المقال يوم الأحد بدلاً من الإثنين، لإفساح المجال كي يكون يوم الإثنين نسائياً خالصاً، بمناسبة يوم المرأة العالمي، الذي يصادف يوم 8 مارس من كل عام.
كان هذا لطفاً من الزميل العزيز الذي يعرف مثلي أن هذا أمر لا مجال لمناقشته، وليس استئذاناً. تذكرت أيام عملي في صحيفة «البيان» التي امتدت 12 عاماً، عندما كان رؤساء تحرير الصحف المحلية الرجال يتخلون عن رئاسة التحرير في مثل هذا اليوم من كل عام لإحدى الزميلات، ثم يستعيدونها منهن في اليوم التالي. الآن تتولى رئاسة تحرير «البيان» الزميلة منى بوسمرة، لتكون بهذا أول امرأة تتولى رئاسة تحرير صحيفة يومية في دولة الإمارات.
تستحق المرأة أن نخلي لها الأماكن كلها، فهي التي قال عنها القائد الفرنسي نابليون بونابرت: «إن المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها». ولهذا اضطرت المرأة في وقت من الأوقات للخروج إلى الشارع كي تهزه مطالِبةً بحقوقها. حدث هذا في الولايات المتحدة عام 1856 عندما خرج آلاف النساء إلى الشوارع في مدينة نيويورك احتجاجاً على الظروف غير الإنسانية التي كن يجبرن على العمل تحتها.
يومها تدخلت الشرطة بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات، إلا أن المسيرة نجحت في دفع المسؤولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية. لكن المشكلة لم يتم حلها بشكل جذري، الأمر الذي دفع الآلاف من عاملات النسيج في 8 مارس 1908 للتظاهر من جديد في شوارع نيويورك، لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود، في خطوة رمزية لها دلالتها، واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار «خبز وورود». طالبت المتظاهرات هذه المرة بتقليل عدد ساعات العمل، وتحسين دخولهن، ووقف تشغيل الأطفال، ومنح النساء حق الاقتراع.
وقد كانت تظاهرات «الخبز والورود» بداية لتشكُّلِ حركة نسوية نشطة داخل الولايات المتحدة.
عام 1910 خرجت الفكرة من نطاق الولايات المتحدة إلى الخارج، عندما تبنت الناشطة السياسية الألمانية كلارا زيتكن فكرة تخصيص يوم عالمي للمرأة، وذلك خلال مؤتمر دولي للمرأة العاملة عُقِد في مدينة كوبنهاغن الدنماركية.
شارك في المؤتمر ما يقارب 100 امرأة قدِمن من أنحاء العالم المختلفة، ووافقن فيه على إقامة يوم عالمي للمرأة، اقترحت زيتكن أن يكون 8 مارس. بدأ الاحتفال بهذا اليوم للمرة الأولى عام 1911 في كل من الدنمارك والنمسا وألمانيا وسويسرا، غير أن تخصيص يوم 8 مارس يوماً عالمياً للمرأة لم يتم إلا بعد سنوات من ذلك التاريخ، لأن الأمم المتحدة لم توافق على تبنّي تلك المناسبة سوى سنة 1975 عندما أصدرت قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يتم اختياره للاحتفال بالمرأة، فقررت غالبية الدول اختيار 8 مارس، وتحول هذا اليوم بالتالي إلى رمز لنضال المرأة، تخرج فيه النساء عبر العالم في تظاهرات للمطالبة بحقوقهن.
ربما يبدو هذا السرد التاريخي غريباً إلى حد ما، خاصة عندما نتحدث عن بلدان غربية متقدمة مثل الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا والدنمارك والنمسا، حتى وصلت المرأة إلى المكانة التي تحتلها اليوم في هذه الدول. ولهذا تبدو المرأة في الإمارات محظوظة، فقد حظيت بمكانة رفيعة عبر التاريخ، منذ أن كانت السند الأول للرجل قبل ظهور النفط وقيام الدولة، حيث كانت تتولى مسؤولية البيت والأبناء خلال رحلات الغوص، التي يغيب فيها الرجال فترات، يمتد بعضها شهوراً. وعندما قامت دولة الإمارات قبل 50 عاماً، وجدت المرأة في الأب المؤسس الشيخ زايد، عليه رحمة الله، خير داعم وسند.
وكان وجود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، أطال الله عمرها، إلى جانبه خير داعم للمرأة. لهذا كان حضور المرأة في المجتمع الإماراتي منذ القدم طاغياً وكان دورها فيه ملحوظاً، حتى قال عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، إنها «روح المكان ومكان الروح».
في يوم المرأة العالمي نقدم للمرأة «العطر والورود» لأنها الأم والزوجة والأخت والبنت والسند في هذه الحياة.
جريدة البيان