د. عبد الله الغذامي يكتب: الاقتصاد البنفسجي وحرفة الأدب

25120201

ظهر مصطلح الاقتصاد البنفسجي عام 2011 وهدفه ترويض التوحش الرأسمالي الذي ظهر مع اكتساح العولمة والنظرية الاقتصادية لليبرالية الجديدة مع السوق الحرة، وأدى لسحق دور الطبقة العمالية، وعزز الفردانية ضد المجتمعية، وهدفت نظرية الاقتصاد البنفسجي لتعزيز دور الثقافة مربوطة مع الاقتصاد، لتصنع تناغماً بين التنمية اقتصادياً والتنمية مجتمعياً، حسب حال كل مجتمع مع عمقه الثقافي، بحيث لا تذوب الهويات الإيجابية، ويتمكن المجتمع من التوازن بين مادياته ومعنوياته.
وهذا هدف نبيل يعيد إلينا مقولة (أدركته حرفة الأدب)، وهي المقولة التي تتأسس على أن المال والعلم على طرفي نقيض وهي تقال لوصف حال فقر العالم والأديب بما أن الفقر ملازم لهما بضرورة الحرفة ومنها تأتي صورة (المعلم) في الأفلام، حيث يظهر متقشفاً في ملبسه وساذجاً في تصرفاته في تعارض مع شخصية البيه الكبير وطقوس القصر ونظام البهوات، ومثاله دور المعلم (حمام) الذي قام به أمين الريحاني في فيلم غزل البنات، وهذه صورة ذهنية متوارثة منبعها أن المال شرس ومتغطرس بينما العلم فقير، ومهما كان علوه المعرفي، فإن قلة ذات اليد تجعله في مقام الدرويش.
ولكن التغير الضخم الذي تمر به الثقافة البشرية مع الذكاء الاصطناعي تعيد ترتيب المفاهيم، فهذا الذكاء الجديد هو نتاج علمي واقتصادي في آن، ودور الفرد  فيه مشروط بالعلمية بأعلى درجاتها وفي الوقت ذاته، فهو ذو مردود اقتصادي متقدم جداً للفرد وللمؤسسة، مع مواصلة للتقدم معرفياً بما أن التكنولوجيا أصبحت كتابا مفتوحاً لا تقف صفحاته عند حد، وليس له خاتمة مما يعني احتياج الاقتصاد للعقل البشري بأعلى علميته، وهذا يصنع حرفة أخرى علمية في عمقها وشرطها، ولكنها لا تدرك صاحبها فتفقره، وإنما تدركه لتطوره ومن ثم يقوم هو بتطوير حياة مجتمعه، وهنا يتعاضد العلم والربحية في صناعة جيل مختلف في منشطه وفي علمه وفي حرفته، شريطة قيام توازن بين الربحية والعدالة، وبين الإنتاجية المادية والإبداعية الثقافية.

جريدة الاتحاد