تعتقد الروائية الإماراتية ريم الكمالي انطلاقاً من تبنيها لرؤية متقدمة في تفعيل الحراك الثقافي في الإمارات، أن هناك عدة أفكار يمكن تنشيطها في هذا المجال؛ بل إن تبني بعض هذه الأفكار من خلال المؤسسات المعنية، يحقق الهدف من الثقافة بوصفها جزءاً لا يتجرأ من عجلة التنمية، وواحدة من الأسس الرئيسية في التنوير والنهوض المجتمعي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالكمالي تقترح عدداً من المحاور يمكن أن تحقق ديمومة ثقافية ناجزة، كموضوع «التفرغ الإبداعي» للكتاب، وخاصة للروائيين باعتبار الرواية أصبحت اليوم من الأجناس الثقافية والإبداعية الرائجة في كافة أقطار الوطن العربي، فضلاً عن حضورها في المشهد العالمي وفي الدراما بكافة أشكالها في التلفزيون والسينما والمسرح، وهي مقوم أساسي من مقومات النهضة الثقافية في أي دولة.
وتقول ريم الكمالي: «من المفترض أن المؤسسات الثقافية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن الكتّاب والمبدعين، ومعنية أكثر من غيرها بمتابعة نشاطاتهم والوصول إليهم، كل في موقعه، وعلى هذه المؤسسات مسؤولية مضاعفة في توفير خدماتها للمثقفين، من أجل مزيد من الإبداع الذي يعزز أرشيف تراث هذه المؤسسات والإدارات الثقافية، ويصنع تاريخاً ملهماً للأجيال القادمة».
وتضيف الكمالي: «من المفترض أيضاً أن ترتبط هذه المؤسسات مع بعضها بعضاً، بروح أقرب إلى التآزر، والتعاضد لتحقيق غاياتها في خدمة ونشر الثقافة في المجتمع، وتصديرها إلى الخارج. ومن خلال هذه الروح يتحقق هدف كبير، نحارب جميعاً من خلاله كافة أشكال الركود الثقافي، إن وجدت».
نشاط فني
ومن خلال متابعتها الشخصية ترى الكمالي أن ثمة نشاطاً ملحوظاً؛ بل اهتمام أكبر من قبل هذه المؤسسات بجانب إبداعي مهم هو الفنون بكافة أشكالها، إلى جانب اهتمام أقل بالمبدعين من الكتاب وخاصة الروائيين، حيث تقول: «ما أراه اليوم هو أن مؤسساتنا الثقافية وإداراتها نشطة جداً مع المبدعين في مجالات الفنون المختلفة، في التشكيل، وفي المسرح، وتقوم بخطط واستراتيجيات مهمة في هذا الجانب، كما تُعد برامج عالية الجودة في هذا الاتجاه، كما هو واضح في أشكال الاهتمام بالمعمار الثقافي المحلي والعالمي، من خلال الدعم المقدم للسينما، وأيضاً للمتاحف، وهذا شيء مهم بلا شك.
أما الاهتمام بالأدباء والروائيين بشكل خاص، فهو أقل، ويسير بوتيرة متباطئة، وعلى هذه المؤسسات أن تبذل جهداً أكبر من أجل تنمية هذا الإبداع لإرسائه عالمياً مثل بقية الفنون».
وتعتقد الكمالي أن الاهتمام بالرواية أصبح شأناً عالمياً، وترى أن الرواية صارت موجودة في كافة مناحي الفكر العربي والإنساني، وهي حاضرة في الفنون وحتى في الفلسفة، وقديماً كان الفلاسفة يحرصون على تقديم رؤاهم الفكرية والفلسفية من خلال السرد؛ بل في شكل روائي ليقتربوا أكثر من القارئ ولكي يبحثوا عن رواج أعمالهم والإقبال عليها، كما تُلفت إلى المكانة التي احتلتها الرواية في الغرب المتقدم، وتقول: «انظر إلى ما تُحدثه الرواية في الغرب اليوم، فقد باتت سيدة الإبداع الأدبي وصارت جزءاً من نسيج المجتمع، وهاجساً حاضراً في السينما والمسرح والتلفزيون، وصارت بمثابة ثقافة حاضرة في المنهج الأكاديمي، على شكل حلقات وبرامج من السرد القصصي الممتع الذي يقدم لطلاب المدارس، فضلاً عن كونها حاضرة؛ بل أصبحت مدمجة في كافة أشكال وانشغالات الكتابة الإبداعية التي أمست جامعات العالم، اليوم، تقترح لها مساقات منتخبة من الروايات العالمية لدارسي الآداب في تلك الجامعات».
التفرغ الإبداعي
وتدعو الكمالي إلى ضرورة الاهتمام بالإبداع الروائي ليس كنشاط عابر؛ بل ليصبح عالمياً مثل بقية الفنون، من خلال قيام المؤسسات الثقافية بدعم الروائيين، من حيث تسويق كتبهم بشكل أوسع، ومن خلال منحهم إجازات مدفوعة للتفرغ لمدد معينة ومتفق عليها، كما تفعل بعض الوزارات في الدول العربية والعالمية، وتقول: «الإبداع الروائي ليس سهلاً، كما يظن البعض، فهو «سارد عالمي» أو سارد العالم، في صلة هذا الإبداع بالبحث والخيال والفنون وفي جميع المسارات الثقافية الأخرى، كالسينما والفنون المعاصرة في كافة أشكالها».
وتلفت الكمالي إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي وجود ما يشبه الفراغ أو النقص في متابعة مسألة دعم أو تعاون هذه المؤسسات الثقافية مع بعضها بعضاً في دعم «المسرح الصغير» أو المسرح المدرسي، الذي يجب على المؤسسات أن تعود إليه بقوة أكبر. وفي هذا المجال تذكر عدم اهتمام المؤسسات بما يسمى «السيرك المحلي» الموجّه للأطفال، وتقول: «الثقافة ليست شكلاً من أشكال الرفاهية، وإنما هي «هوية»، وعليها أن تصل إلى الجمهور بكل مستوياته، وكيفما كانت ذائقة هذا الجمهور، والهدف من وراء ذلك، هو التنمية الفكرية والانفتاح على الجمهور».
النقد والنقاد
وفي ختام حديثها تعلق الكمالي على موضوع النقد الأدبي الذي يرفضه البعض، وتقول: «النقد كمفهوم لا يسيء للمثقف، كما يعتقد البعض، أو كما يمارسه البعض بشكل خاطئ. فالنقد الحقيقي هو اكتشاف للخطأ، ولا يعتبر حكماً سلبياً على الأمور، فالنقد تنوير واعتراف بالجدارة أيضاً، وتحليل لما حولنا، وليس تجريحاً أو ذماً. والنقد قدرة فائقة الحساسية وليس موضوعاً للتسلية في المقاهي. وكما قال كانط: «النقد فحص تأملي»، أو كما قال هيجل: «النقد بحث منهجي في حدود مفاهيم المجتمع».
جردية الخليج