تعيش الثقافة العربية حالة من الفراغ الشديد فكراً وإبداعاً وتأثيراً، حيث لم تكن يوماً بهذا الضعف في كل مجالاتها.. والغريب أن نُشاهد عشرات المهرجانات الدولية التي تنتشر في العواصم العربية حيث لا إبداع ولا غناء ولا أفلام.. إنها مجرد تابلوهات وعرائس متحركة وملايين الدولارات التي تنفقها الحكومات والجمعيات ورجال الأعمال بلا عائد.
كم من مهرجان للسينما يقام سنوياً في الدول العربية؟، وكم عدد الأفلام التي يشاهدها المواطن العربي منها؟، وما هي الأفلام التي تستحق المشاهدة؟، وكم عدد مهرجانات الأغنية العربية؟، وإلى أي مدى وصلت حال الأغنية العربية كلاماً ولحناً وأداء؟، وكيف تراجعت الأغنية العربية وفقدت بريقها وتأثيرها في حياة الإنسان العربي؟، وليس من الضروري أن تتوقف عند المسرح أو المهرجانات الثقافية، لأن أقصى ما تصل إليه مجادلات وصراعات ورؤى متناقضة لقد أصبح لديَّ ما يشبه اليقين بأن الثقافة العربية تتعرض لمؤامرة من أبنائها وأعدائها في وقت واحد، فأمام اهتمامات كثيرة تشغل العقل العربي تقف الثقافة بعيداً في حالة ذهول أمام إهمال متعمد من سلطات القرار، لأن الثقافة إذا نهضت حركت العقول، وانتفض وعي الشعوب، وطالبت بحياة أكثر تحررّاً ووعْياً وكرامةً، لكن هناك مجالات أخرى أولى بالاهتمام غير الثقافة، لهذا فإن الجوانب الثقافية في حياة الشعوب ليس لها أهمية أمام أولويات أخرى.
إن ما نشهده الآن من احتفاليات ومهرجانات تحمل اسم الثقافة والفن، ليست أكثر من تظاهرات تملأ الفراغ وتشغل الشعوب عن قضايا أهم، ومن جانب آخر لا نستطيع أن نتجاهل غياب مراكز ثقافية عربية كانت صاحبة دور ورسالة.. إذْ كيف نتجاهل عواصم عربية مثل: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وطرابلس، فشعوب تلك الدول أنهكتها الحروب الأهلية، وكانت الثقافة أولى ضحاياها.
إن العالم كان دائماً يحارب الثقافة العربية، وفي مقدمتها اللغة العربية لغة القرآن، وهي حرب ضد الإسلام، الدين والعقيدة واللغة والقرآن، وأمام هذه التحديات تقف الثقافة العربية حائرة أمام شعوب لم تعد تقدر أهميتها، وعالم يتآمر عليها ومراكز مضيئة أغلقت أبوابها.
ولا شك أن غياب النخبة العربية كان من أخطر نتائج محنة الثقافة العربية أمام انسحاب هذه النخبة، وتهميش دورها من السلطات الحاكمة، وتراجع درجة الوعي لدى الشعوب، وكل هذه الأسباب وضعت الثقافة العربية في مأزق تاريخي وتحديات كبيرة، لا أحد يعلم متى تخرج منها.
صحيفة الرؤية