علاقة بيكاسو بالجزائر كبيرة، فقد أقام فيها العديد من المرات، في زيارات عديدة للاستراحة أو للعمل، فهو من مدينة أندلسية بامتياز، في جنوب إسبانيا، وفيه شيء من عطر الأندلس الآفلة، زارها أول مرة في سنة 1944، بدأها من العاصمة وأنهاها في إحدى المستعمرات الزراعية، مدريسا (ولاية تيارت)، وهي منطقة أثرية قديمة، تأسست 1910، وسُمِّيت على الوادي الذي يعبرها، ونظراً لأراضيها الصالحة للزراعة ولتربية الماشية، فقد تشجَّع الكثير من معمري المدن الفرنسية والإسبانية الفقيرة للاستثمار فيها.. وجد بيكاسو الهارب من تهديدات النازية والحرب العالميَّة الثانية، مكاناً جميلاً عند أصدقائه الإسبان الذين رحبوا به هناك.
كما زار الجزائر مرة أخرى عام 1953، ورسم من خلالها لوحته الشهيرة «نساء الجزائر»، رداً على صورة دولاكروا التي ظلت حبيسة الرؤية الاستشراقية الاستعمارية، التي جعلت من المجتمع النسوي الجزائري في القصبة والصحراء، نساء متاحات لا تنتظرن إلا قدوم المستعمر، استجابة لشرق مُصنع كما يقول المرحوم إدوارد سعيد، كما رسم بيكاسو لوحة تضامنية مع المناضلة الجزائرية «جميلة بوباشا» التي حُكم عليها بالإعدام، وأسهم في تدويل قضيتها، رفقة مثقفين كثيرين، لإسقاط حكم الإعدام.
ليس هذا ما يهمنا، إنما الذي يثير اليوم الشبهة الكبيرة، وهي اللوحات السبع التي تم العثور عليها في مدريسا، وكلها مؤرخة في 1944، ومُوقَّعة من طرف بيكاسو، وهي الفترة الموافقة لزيارته لهذه المنطقة، وقد عثر على اللوحات السبع بالصدفة، شاب كان بصدد حفر بئر بعين المكان، بتاريخ 11-09-2009، وأخبر مباشرة مديرية الثقافة بما عثر عليه، وكان يعرف جيداً قيمة ما وجده، بعد أن تم تسجيل اللوحات، واعتبارها ملكية وطنية للدولة، تم تحويلها باتجاه متحف الفنون الجميلة بالجزائر العاصمة، حيث يتوفر، في هذا الأخير، مخبر للتحاليل الفنية لتحديد تاريخ اللوحات ومصدرها، وحسب الاحتمالات الأولية، يبلغ سعر اللوحة الواحدة ما لا يقل عن 100 مليون دولار.
نعرف جيداً أن بعض لوحات بيكاسو تخطت هذا السعر مثل نساء الجزائر (140 مليون دولار)، وهي من المقتنيات الخاصة لأحد القطريين)، لكن منذ تاريخ سبتمبر 2009، تاريخ العثور على اللوحات، لف الصمت الكلي هذا الموضوع إلى اليوم، بحسب بعض المصادر المقربة من متحف الفنون الجميلة، فقد تم إرسال إحدى اللوحات إلى فرنسا في سنة 2015، ومؤسسة بيكاسو للتأكد من نسبها للرسام، لكن لا نعرف شيئاً عن ذلك، ولا مآل هذه اللوحات، هل سُرقت؟ بيعت؟ نُهبت؟ من أدار وزارة الثقافة يومها؟ لم تعد القضية فردية ولكنها قضية دولة؟
وإذا حدث أن سُرقت فسيكون ذلك من أكبر جرائم النهب المنظم؟ وهو ما ألحّ عليه مواطنو مدريسا، من خلال لجنة الدفاع عن التراث المادي وغير المادي.
صحيفة الرؤية