ينقسم الحزن الإنساني إلى نوعين يبدوان متشابهين في المعنى، ولكنهما ليسا كذلك في طبيعتهما، فهناك الحزن الطارئ وغير المتجذر، الذي يولد من أسباب الحياة، الحزن من فراق شخص مهم في حياتنا، الحزن لغياب الوقائع الجميلة، الحزن لعدم مطابقة توقعاتنا مع الواقع.. هذا هو الحزن الذي نشترك فيه مع الجميع.
وهناك في مكان آخر من الروح حزن صافٍ، لا يتعلق بحقائق الحياة، بل بمعناها.. حزن يشبه شغفنا بأن نكون نحن كما نحن، نقترب من أنفسنا كثيراً في صمت وهدوء وغياب طوعي عن العالم، وهذا النوع من الحزن يتعلق بمزاجنا الشخصي، بقدرتنا على إدامته والإصرار على بقائه قريباً منا، لأنه خال من الألم.. حزن بلا ألم.
كتب أوسكار وايلد مرة: «لقد جئت إليّ لتتعلم عن لذة الحياة ولذة الجمال، ولربما اخترت أن أعلمك شيئاً أكثر روعة، أعلمك معنى الحزن وجماله»، لكن كيف يكون الحزن جميلاً؟
فيما يبدو أننا أسأنا استخدام هذه المفردة بطريقة مغلوطة، ومنحناها معنى سلبياً، لأن الإنسان حين يفرح يعتقد أنه يمارس شيئاً ضد الحزن، والحقيقة أنهما ليسا شيئين نقيضين، هما مختلفان.
الحزن هو أكثر المشاعر الإنسانية دفئاً، وأعمقها في التعبير عن جوهر الروح وملامسة الذات، فالإنسان يولد في هذا العالم دون أن يعرف ما تخبئه له الحياة، ودون رؤية مستقبله وهو يهرب أمامه مثل لغز غير قابل للحل، لذلك يلجأ إلى حزنه الفريد، ويستقر فيه كآخر الحصون العالية ضد أي بهجة زائفة أو ضحكة عابرة.. نحن نخاف من عاقبة الضحك المتواصل، بينما لا نخاف من أحزاننا.
يقول كافكا: «لا أشعر بحقيقة نفسي إلا قريباً من حزني الذي لايطاق».
فالإنسان يكون هو نفسه عندما تداهمه نوبة حزن منزوعة الوجع.. يعود إلى ذاته ويتصالح معها بحميمية، ويصبح وجوده كثيفاً ولا يتفتت خارجه إلا بالمرح الذي يعقب هذه النوبة.
تاريخنا السري الذي لا نبوح به، هو تاريخ حزننا الخاص الذي قد يظهر في وجوهنا على هيئة ابتسامة مستسلمة للنسيان، وأنا حزينة بدون تعاسة، لذلك، وفي كثير من الأحيان، أستقبل مباهج الحياة باللامبالاة.
صحيفة الرؤية