اليوم تطوف بي زرافات النوارس، وعصافير السهول والجبال، هبوب رياح البحر حاملة الزبد الأبيض، وزرقة السماء والبحر، في مثل هذا اليوم تماماً كان صوته يأتي مثل صد زخات المطر وقطرات النداء/ الندى كان يرمس خطوطاً لمسيرة الكتاب والحرف وبريق الأحلام الجميلة..
قال غداً سوف أشعل ضوء الحرف في معرض الكتاب، سوف نلتقي لنصفق للكلمة واللون والورق، ثم ننسج خيوطاً من الحرير مع الأصدقاء والأحباب، وكعادته الرزينة المتأنية والوديعة، ومثل سيرة الهادئ والثابت في مسيرته وقوله الذي لا يعرف غير ضوء الشمس ونور القمر وصدق الحرف والكلمة. أعرفه منذ أن سارت الوعول الرائعة والجميلة من أقصى الهضاب والتلال والجبال من عروق شجرة اللبان وغصونها ورائحتها، التي سرت من غابات وجبال ظفار إلى الساحل من حدود الكلمة الساطعة إلى رحيل من سبقوا هذا الجواد، ولم تبق غير كلمة ما زلت أرددها كما قالها في أزمنة جميلة راحلة «ماذا لو تركوا الخيل تمضي»، تلك القصيدة البديعة التي أنشدها أبو جبران النجم الذي غاب في سديم الليل والزمن، تركني وكأنني درويش مسافر أبداً في روايته الجميلة «سيح المهب»، لم يتغير شيئاً أيها الراحل العزيز، ما زال هبوب السهيلي يأتي في موعده ليثر غبار سيح المهب، نبتت أشجار شوكية كثيرة وتناقص شجر السمر والغاف، ظل السيح كما تركته تذري الرياح غبارها فيه!.. سوف أجمع كل أحبابك من طيور البحر وأسماكه ونحضر إليك ونقرأ الفاتحة وآيات كثيرة وأشعاراً كثيرة، سوف أقص عليك حكايات الزمن الذي تركتني أحرسه وأعيد قراءة فصوله، سوف أكون أميناً كما عهدتني حتى الرحيل، ناصر جبران اليوم ذكرى رحيلك الحزين، لا تجزع فالحياة تمضي والأمل معقود على الجديد، إنها الدائرة، كل يقدم ما لديه ويمضي، وأنت أيها العزيز الجميل قدمت لنا أجمل ما خطه قلمك، وعلمتني أن الحياة حب للجميل وأحلام لا يهزمها المتخاذلون وزارعو السوداوية والنقوص والعودة إلى الخلف، وإنما الطريق بحر وماء ونحن سفن ونوارس نقطع هذا البحر والمحيط بالمضي قدماً بالحركة والعمل والتحليق مثل الطيور البيضاء التي علمتنا التحليق الدائم والأبدي.
في هذا الشهر والأسبوع الأول منه، ترجل ناصر جبران في موعد افتتاح معرض الكتاب بالشارقة، كان حديثي معه في المساء للقاء صباحاً في المعرض، كان فرحاً ومبتهجاً بأن عمله الأدبي سوف يصدر في هذا اليوم، وسوف يراه أول مرة، ولكن مضى هذا اليوم وأخذ أعز الأصدقاء معه، مفاجأة مثل اقتحامات الحياة ومفاجآتها الدائمة.. الآن يبدأ المعرض ليذكرنا برحيل الأديب والشاعر ناصر جبران رحمة عليه واسعة.
لقد قدم للساحة الثقافية الإماراتية أعمالاً أدبية رائعة بين القصة والرواية والشعر، بالإضافة إلى كتابات أخرى مهمة، ناصر جبران علامة وقامة أدبية لن يغيب عن الذاكرة..
جريدة الاتحاد