«صَبّه رَدّه».. ثنائية العطاء والأخذ – بقلم د. عبد العزيز المسلم

عبد العزيز

«صَبّه رَدّه».. مقولة شائعة عند الإماراتيين، معناها سكب الشيء ثم استرجاعه، وهي تطلق على من يعطي ويأخذ في الوقت ذاته، فلا تُرجى منه منفعة، وهم أناس كثر على هذه الشاكلة، لا ترجى منهم منفعة ولا فائدة، فبقدر عطائهم يأخذون، فلا يُحتسب لهم عطاء ولا سخاء أبداً.

تكثر الأمثال والأقوال الشعبية الإماراتية التي تتحدث عن العطاء والسخاء وخدمة الناس، وهي التي تحث عليها الأخلاقيات في تراثنا المعنوي، سعياً وراء مجتمع متكافل يكثر فيه العطاء، وتقل فيه النفعية بشكلها السلبي، وتشابه المقولة السابقة، مقولة (خذ من جيبه عايده) وهي عادة كانت منتشرة عند البعض، يأخذون نقود العيدية من الأطفال ثم يعطونهم إياها مرة ثانية، لإقناعهم أنه عطاء جديد.

المجتمع النقي في الماضي القريب، كان يتمتع بمنظومة أخلاقية راقية، تسود فيها مصلحة الكل على مصلحة الفرد، ويكثر فيها العطاء الذي لا يُرتجى منه عائد، فالمنفعة بمعناها الأعلى تعني خدمة الآخرين، وتقديم العون لهم دون انتظار أي مردود مادي، فالمردود الوحيد الذي ينتظره الناس في ذلك الوقت، هو السمعة الإيجابية والذكرى الطيبة.

«ما طاح إلا انبطح» مقولة مشابهة للمقولتين السابقتين، طاح أي وقع على الأرض، أما انبطح فتعني استلقى على الأرض، فالمعنيان متشابهان، وتعني أن الفعل المؤدى يقابله فعل يشابهه، وهو ديدن من لا منفعة من ورائهم، فهم بقدر ما يأخذون ينتفعون، فلا منفعة حقيقية تُرجى من ورائهم، في اللغة ورد في معجمَي الرائد والوسيط: (طاح فعل، طاح الشيء من يده أي سقط منها، انبطح فعل خماسي لازم، انبطحت، أنبطح، انبطح، مصدر انبطاح، انبطح الرجل أي استلقى على وجهه، ما كان له أن ينبطح بهذا الشكل أي: ينطرح على وجهه ذليلاً).

أما المقولة الرابعة المشابهة للأقوال السابقة هي «ما مات إلا بلق عينه»، فالميت لا يموت وعينه مقفلة دائماً، بل تكون عينه أحياناً مفتوحة باندهاش، والمثل معناه: إن ذلك الذي يصف الميت مفتوح العين بأنه لم يمت، لكنه فتح عينيه باندهاش دون تركيز، فهو لا ينفي موته أبداً، فالميت ميت مهما كانت هيئته، في العامية الإماراتية: بلق عينه تعني: فتح عينيه باندهاش وغباء، وفي اللغة نجد في معجم الرائد (بلق.. يبلق بلقاً وبلوقاً «فعل»، بلق السيل الأشياء أي جرفها، بلق الباب أي فتحه كله، وأيضاً بلق الباب تعني فتحه بشدة).

صحيفة الرؤية