يبدو أن الأغنياء في ألمانيا كرماء وفاعلو خير، فهم يقولون إن العطاء مهنة الغني، لكن ليسمح لنا الألمان، بتصحيح قولهم أو اعتقادهم، بالجملة التالية: إن العطاء مهنة الإنسان.
ونقول ذلك، لأننا لا نجد عندنا من الأغنياء من ينطبق عليهم قول الألمان، بل العكس هو الصحيح لدرجة يمكننا أن نقول إن الأخذ مهنة الأغنياء.
ولأن لكل قاعدة شواذ، فإننا لا نستطيع أن نظلم كل الأغنياء، فسلطان العويس استثناء من القاعدة وينطبق عليه قول الألمان وإن لم يكن ألمانياً.
وأمس كتبنا عن الوالد القدوة، وقلنا إننا بحاجة للقدوة في كل مجال وما كدنا ننهي الحديث حتى فرض العويس نفسه بأفعاله، قدوة في مجال آخر.
وعرفنا في سلطان بن علي العويس الشاعر ورجل الأعمال والتاجر، النموذج الحسن والنادر لفاعل الخير وباذل العطاء في عدة وجوه منها على سبيل المثال لا الحصر، إنشاؤه لمبنى جديد لمستشفى الكويت بدبي بقيمة تزيد على ٣٠ مليون درهم ومنها تخصيصه لجائزة ثقافية كبرى لمبدعي الوطن العربي بقيمة ٤٠٠ ألف دولار، إضافة إلى انفاقه السخي على أمور أخرى لم يكشف عنها بعد ومؤخراً إنشاؤه عدة سدود بقيمة تصل إلى ٢٥٠ مليون درهم على نفقته الخاصة.
واستحق الرجل القدوة ويستحق، شكر وإشادة صاحب السمو رئيس الدولة، كما يستحق منا جميعاً كل العرفان والحمد والشكر العميق فكما يعود النهر إلى البحر، يعود العطاء إلى صاحبه وصاحبه هذه المرة قل وجوده وندر في عالمنا العربي وإن كثر في الغرب وفي الدول الأوروبية تحديداً.
وهنا تكمن واحدة من المفارقات التي ميزت الغرب علينا في هذا العصر فأثرياؤه ورجال صناعته وأعماله يحسنون لمجتمعاتهم ويساهمون جنباً إلى جنب حكوماتهم في بناء المشاريع وتنمية دولهم بالبذل والعطاء سواء كان ذلك في استثمار أموالهم داخل بلدانهم في مشروعات صناعية وزراعية وتجارية عملاقة، أو بأعمال الخير كبناء المستشفيات والمدارس والجامعات ومراكز البحوث والعلوم وملاجئ العجزة وغير ذلك حتى أنه حين يزور الواحد منا مدينة أو قرية من مدنهم وقراهم تطالعه أسماء وتماثيل على شوارع وطرقات أو أمام مدارس وجامعات وحين تسأل، تكتشف أن هذه ليست لشعراء وفلاسفة وعلماء بل لرجال أعمال وأثرياء ممن اتخذوا حقاً من العطاء مهنة، فاستحقوا التكريم والتخليد.
ولن نقارن أو نتحادث عن أثريائنا في العالم العربي فلا مجال لمقارنة ولا نريد إزعاجهم بهذه المثاليات التي لا تجد لها مكاناً بين أوراق نقودهم بل سنتحدث عن عملة نادرة هو المثال القدوة الذي يستحق التكريم بالكتابة عنه كما استحق أمس رجل آخر تكريماً مماثلاً.
وتعرفون أن كل ما نأكله يفسد ويصبح لا قيمة له وأن كل ما نعطيه يصبح وردة أو شجرة وعليه فإن العويس قدوة رجال الأعمال العرب بفعله وسلوكه الحضاري الواعي لا نستطيع تكريمه بالمال بل بالحديث عن نموذجه وفرادته التي نرجو أن تنتشر عدواها مع اننا نشك في أن عدوى مثل «الدفع» يمكن أن تنتشر بسهولة في الوقت الذي تنتشر فيه عدوى «التبذير» دون حدود.
ويقولون إن المال يكسب خصلتين: البخل أو التبذير ومع سلطان العويس لا نجد أن أمراً كهذا حدث، بل حدث شيء آخر هو العطاء الذي له رائحة الورد، وهنا تجلى فيه الإنسان الذي يصنع الثروة لا الإنسان الذي تصنعه الثروة.
هو إنسان مهنته العطاء قدوة ولا شك وسوف يذكره الناس وتشكره الأرض وأتمنى غداً أن أجد قدوة أخرى لأكتب عنها لليوم الثالث على التوالي، ومني لكم هذه الكلمة: العطايا تشبه صاحبها.
من كتاب (خربشات في حدود الممكن)، إصدارات البيان، 1997.