هل يتغير مفهوم المكان في العقود القليلة المقبلة؟ يبدو أن ما يشهده عالمنا اليوم ليس سوى تمهيدات انتقالية إلى علاقات مختلفة بالمكان. الطريف هو أن هذه التحولات تشبه حركات اللوحات التكتونية، لكن من دون زلازل مدوية. سيلقي القلم الضوء على نموذجين.
من كان يظن أن كورونا يمكن أن يكون له تخطيط لمستقبل البشرية؟ لكن، بماذا تفسر جنابك أن هذا الفيروس يستطيع أن يغير الأشكال التي عرفتها المدارس عبر آلاف السنين؟ لقد عرفت القارات الخمس ألواناً من التدريس من دون مدرسة وارتباط مباشر بالمدرس بعد انتشار جهاز التلفاز. لكن لم يحدث في التاريخ أن صارت المدارس تفاعلية بوساطة عالم افتراضي على الشبكة العنكبوتية. عندما تجري التجارب وتنجح فإن التطبيق الكامل يغدو ممكناً.
ليس سهلاً حسم القضايا النفسية وآثارها وأبعادها. تخيل مثلاً: ما المانع من أن يصبح الأستاذ افتراضياً، يدخل الصف الافتراضي ليلقي الدرس الافتراضي على طلاب واقعيين في بيوتهم. الزمن يتقدم والعصر يتحول، ولا حق لأبي الطيب في إعادة صياغة بيته هكذا: «لكِ يا مهازل في الدروس مهازل.. أقفرتِ أنتِ وهنّ منك أواهلُ». لك أن تتخيل المدن بلا مدارس، وداعاً للابتدائية، الإعدادية، الثانوية. مباني المدارس والمعاهد تغدو كلها أموراً ثانوية. لكن، طوبى للمرور من غير حافلات مدرسية.
في العصر الكوروني ترسخت فكرة أشد وقعاً: العمل من بعيد. إذا سافرت الآن إلى سنة 2100، فقد لا ترى في المدن مؤسسات وشركات. قد تصبح المؤسسة التي لديها عشرات الآلاف من الموظفين لا تحتاج إلى غير غرفة صغيرة بها حاسوب عملاق. دعك من إنجاز الأعمال والمعاملات. لكن، ماذا عن الجوانب الإنسانية من الحياة؟ عليك تعديل العبارة الشهيرة لتصير: «ليس بالحاسوب وحده يحيا الإنسان». المشاعر والعواطف بين أفراد الأسرة البشرية مهمة، لكن تصور أن تغدو في حاجة إلى التجاوب الوجداني مع الروبوتات. تنزل من شقتك، عند باب الخروج تسمع صوت الحارس الافتراضي: صباح الخير سيد فلان. تفتح باب السيارة: أهلا عزيزي، إلى أين أوصلك؟ ما رأيك في فيروزيات صباحية؟ أم تود معرفة آخر الأخبار؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الثقافية: عزمت على السفر بإذنه؟ لا تنس مكتبتك. الذاكرة العشوائية بها مئة ألف كتاب، مئة ألف عمل موسيقي ومئة ألف لوحة. هنيئاً.
جريدة الخليج