وبالرغم من مرور سنوات طويلة على رحيل البردوني (1999) الذي لازمته صفة «الرائي» للتعبير على بصيرته الثاقبة ورؤيته العميقة ونبوءاته السياسية العديدة التي تحقق منها الكثير، إلا أن شيئا لم يستجد حول حقيقة المصير الذي آل إليه تراثه الشعري والأدبي والسياسي غير المنشور في حياته وفي مقدمة ذلك كتابه «الجمهورية اليمنية» الذي يعتقد مقربون من البردوني أنه تم حجبه لأسباب ودوافع سياسية بعد رحيله وحيل بينه وبين طباعته في حياته لينتهي المطاف بهذا الكتاب مجهول المصير، اضافة إلى ديوانين شعريين هما؛ «الحب على مرافئ القمر» و «رحلة ابن شاب قرناها» وكتاب نقدي بعنوان «الجديد والمتجدد»، وسيرة ذاتية نشر بعض حلقاتها في الصحافة اليمنية قبل وفاته.
ويستمد الشاعر البردوني ديمومة حضوره في المشهد الشعري اليمني وحتى السياسي، من كونه قاسما مشتركا يُجمع كل الفرقاء على ريادته الشعرية وفرادة شخصيته كمثقف يمني انحاز طوال حياته للبسطاء ونافح عنهم وعبر عن أحلامهم في قصائده التي تحولت بعد رحيله إلى أيقونات في السلم والحرب، سعت كل الأطراف السياسية لتوظيفها لصالح مشروعها والإيحاء بأنها من تعبر عن روح البردوني وتجسد استشرافاته في «السفر نحو الأيام الخضر»، التي ستأتي كما بشّر بها لامحالة ذات يوم ولكن على ركام هائل من الدماء والدموع والخيبات التي تسحق في طريقها الفقراء الحالمين بوطن، ممن كرس شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني أدبه الرفيع شعرا ونثرا للتعبير عن أوجاعهم في حياته وحتى بعد رحيله، حيث ظل عصيا على النسيان ويأبى أن يموت، كما أبى بيته المتواضع في أحد أحياء صنعاء القديمة كذلك إلا أن ينهار قبيل ذكرى رحيله بأيام وجيزة تضامنا مع منازل اليمنيين البسطاء، التي تداعت جراء السيول التي جرفت البيوت، كما جرفت الحرب قبل ذلك أحلام الوطن المنشود!