نحن الذين شكّلت سبعينات القرن الماضي وعينا بصخب أفكارها التقدمية، وبكل ما اقترن بتلك الأفكار من فنون وآداب وموسيقى، نعرف جيداً اسم المغني التشيلي فيكتور جارا. لم يكن أحد منا نحن الشبان العرب يومها يعرف اللغة الإسبانية التي بها يغني جارا، وإن وُجد من يعرفونها فإنهم قلة بالتأكيد، لكن الموسيقى لغة عالمية كما يقال؛ لذلك كانت أغانيه محطّ اهتمام ذلك الجيل.
لم يحدث ذلك فقط لأن الموسيقى لغة عالمية، وإنما أيضاً بسبب مشاعر التعاطف الإنساني مع محنة هذا المغني الذي ذاع صيته وصيت أغانيه، خارج تشيلي، وخارج القارة الأمريكية اللاتينية بسبب الطريقة الوحشية التي قتل بها، انتقاماً من مواقفه، وهو ما عبّر عنه أحد النقاد بقوله، إن فيكتور جارا أصبح بمثابة «مزيج بين بوب ديلَن، ومارتن لوثر كينج».
مناسبة العودة إلى فيكتور جارا، هي فيلم وثائقي بثته «نتفليكس» بعنوان «مذبحة في الملعب»، استوقف الناقد في شبكة «بي بي سي» دوريان لينسكي، الذي رأى فيه رواية مقنعة للملابسات التي أحاطت بالتصفية الجسدية لجارا، الذي عرف بتأييده لحكومة الرئيس الاشتراكي المنتخب سلفادور الليندي، الذي أطاحه الانقلاب العسكري الدموي بقيادة الجنرال بيونشيت، ليتربع بعدها طويلاً على الحكم في تشيلي، بقبضة حديدية.
كان ثابتاً أن المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) متورطة في هذا الانقلاب؛ شأنه في ذلك شأن انقلابات مشابهة في بلدان أمريكا اللاتينية أتت بطغاة عسكريين إلى السلطة في القارة التي تعتبرها واشنطن حديقة خلفية لها، وقيل يومها إن لوزير الخارجية الأمريكي آنذاك، هنري كيسنجر، دوراً في هندسة الانقلاب.
اختار فيكتور جار لأغنيته الأخيرة عنوان «إستاديو تشيلي»، أو (ملعب تشيلي) نسبة إلى الاستاد الرياضي في وسط العاصمة سانتياجو الذي حوّله قادة الانقلاب إلى مركز احتجاز ضمّ نحو خمسة آلاف من أنصار حكومة الوحدة الشعبية بزعامة الليندي، وفيه قتل الفنان نفسه. وبالمناسبة، فإن الملعب أصبح يحمل اسمه اليوم.
يؤكد فيلم «نتفليكس» صحة الرواية المتداولة عن قطع أصابع جارا، انتقاماً من عزفها للموسيقى، ويشير إلى أن ضابطاً في الجيش ألقى عقب سيجارة مشتعلاً على الأرض، وأرغم جارا على أن يزحف للوصول إليه، ثم سحق معصميْه بقدميه.
«وفي لحظة ما، أنشد جارا بتحدٍ ومن بين شفتيْه الممزقتين من فرط التعذيب»، أغنيته الشهيرة: «سننتصر».
جريدة الخليج