عواقب التبعية الثقافية – بقلم عبد اللطيف الزبيدي

عبداللطيف-الزبيدي

أين أهل الحداثة وما بعد الحداثة، و«اجتهاداتهم» في الإبداع؟ كل الثقافات في كل اللغات أكلت مقلباً من الطراز الأول. سنوات تجريبية طوفانية اجتاحت المشارق والمغارب ثم توارت كأن لم تكن: «وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي».
لكن السخريات لا تغيب. حين كان يحصحص الحق، وتدعو الضرورة القوم إلى التفاعل مع الجماهير لدواع وطنية تنموية، وغيرها من المناسبات، كانوا يعودون مكرهين إلى الأشكال الكلاسيكية فيخاطبون الناس بما يفهمون. لم يكن البعض يجد ما يواري به سوءات نصّه.
الأسلوب الواضح فضّاح، فالمفردات لها معان محدّدة، وتلوينها وتوسيع أبعادها، فنون فيها من التشكيل درجات الألوان، وتقمص الألوان وانتحالها، كقولهم أرض السواد يعنون بها واحات العراق، التي هي خضراء تلوح من بعيد سوداء، لهذا يعني الأخضر الأسود والأسود الأخضر، وهذا فرع وسيع في لغتنا.
ومن الموسيقى تغيير الدرجة الصوتية بالروافع والخوافض، وتغيير المقامات وتصويرها. هنا تظهر مقدرة الفنان أو ينكشف عدم اقتداره. سامح الله أبا تمام، فلو كان يدري سوء استغلال قصته، لكان قطع لسانه قبل قول قولته. سئل: ما لك تقول ما لا يُفهم. قال: وما لك لا تفهم ما يقال؟
سنوات معدودات وانتهت «الحدّوتة». المأساة هي أن الاستلاب الأدبي لا صلة له بأي أصالة ثقافية عربية. كان تقليداً متخلفاً زمنياً عن الحركات الأوروبية، الفرنسية بالذات، بما لا يقل عن نصف قرن. التيارات «الحداثوية» العربية خليط من الدادائية والسريالية واللامعقول والمونتاج والقصيدة البصرية. لتقريب الصورة، كانت تلك الحركات مختلفة، أطباقاً كل واحد نوع: أرز، سباجيتي، فاصوليا، حمص.. حين استعارها بعض المثقفين العرب، صنعوا منها طبق كشري، لكي لا نقول لا قدر الله سلة متسول: بوظة على سمك مقلي على ملوخيّة.
حبل الحداثة قصير. تأمّل ما بعد الحداثة في ليبيا وسوريا والعراق: أهذا هو «بوست مدرنيسم»؟ في سنوات نطحت الصخر. الاستلاب الثقافي لا يختلف ولا حتى في شعرة عن التبعية السياسية. صيحة الحداثة وما بعد الحداثة لا جذور لها في الثقافة العربية، لهذا لم تُورق، لم تُزهر ولم تثمر. هل القوم لا يدرون؟ يشعر المرء بالخجل حين يرى تطوّر الفنون والآداب في الصين، جنباً إلى جنب مع علوم وتقانة ببصمات تنّينيّة.
لزوم ما يلزم: النتيجة البزوغيّة: الذين يظنون أن الثقافة العربية رماد بارد واهمون، «حذار» فتحت الرماد اللهيب الشابي. 

جريدة الخليج