السحبُ تركضُ في الفضاءِ الرّحبِ ركضَ الخائفينْ
والشمسُ تبدو خلفها صفراءَ عاصبةَ الجبينْ
البحرُ ساجٍ صامتٌ فيه خشوعُ الزاهدينْ
لكنّما عيناكِ باهتتان في الأفقِ البعيدْ
سلمى … بماذا تفكّرينْ ؟
سلمى … بماذا تحلمينْ ؟
أرأيتِ أحلامَ الطفولةِ تختفي خلفَ التّخومْ ؟
أم أبصرتْ عيناك أشباحَ الكهولةِ في الغيومْ ؟
أم خفتِ أن يأتيَ الدّجى الجاني و لا تأتي النجومْ ؟
أنا لا أرى ما تلمحينَ من المشاهدِ إنّما
أظلالها في ناظريكِ
تنمُّ، يا سلمى، عليكِ
إنّي أراكِ كسائحٍ في القفرِ ضلّ عن الطّريقْ
يرجو صديقاً في الفـلاة، وأين في القفرِ الصديقْ
يهوى البروقَ وضوءها، و يخافُ تخدعهُ البروقْ
بل أنتِ أعظمُ حيرةٍ من فارسٍ تحت القتامْ
لا يستطيعُ الانتصارْ
و لا يُطيقُ الانكسارْ
هذي الهواجسُ لم تكن مرسومةً في مُقلتيكِ
فلقد رأيتكِ في الضّحى و رأيتهُ في وجنتيكِ
لكنْ وجدتكِ في المساء وضعتِ رأسكِ في يديكِ
و جلستِ في عينيك ألغازٌ، و في النّفس اكتئابْ
مثل اكتئاب العاشقينْ
سلمى … بماذا تفكّرينْ ؟
بالأرضِ كيف هوَتْ عروشُ النّورِ عن هضباتها ؟
أم بالمروجِ الخضرِ سادَ الصّمتُ في جنباتها ؟
أم بالعصافيرِ التي تعدو إلى و كناتها ؟
أم بالمسا ؟ إنّ المسا يُخفي المدائنَ كالقرى
و الكوخَ كالقصرِ المكينْ
و الشّوكُ مثل الياسمينْ
إيليا أبو ماضي
شاعر لبناني (1889 ـ 1957)