ترددتُ مرتين في تأليف كتاب عن محمود درويش. المرة الأولى في باريس، بعد العام 1982: اتصلتْ بي حينها دار نشر فرنسية، واقترحتْ عليه وعليّ فكرة الكتاب. اتفقنا وقعدنا جلستين، ثم انقطعتُ عن ذلك. لم أكن مستعداً لمثل هذه الكتب، ولا ازال حتى اليوم. لأن كتابة السيرة “المأذونة” تحتاج إلى مراس واعتيادات لم تكن متوافرة لي، وإلى بوح واعترافات ما كنتُ أظن درويش موافقاً على بعضها.
في المرة الثانية، قبل سنتَين، ترددتُ لكنني اتفقت على تأليف كتاب عنه إثر مبادرة من مؤسسة العويس. ترددت هذه المرة لأنني ما كنت أملك إلا القليل من الوثائق والكثير من الذكريات. لكن سبب ترددي تأتّى خصوصا من كوني سأعيد ما قاله درويش بنفسه، فيما كان يقول الشيء وعكسه احياناً، على ما تحققتُ غير مرة في نوع من الحماية له، وتضليل الأثر، وتنمية الإشاعات أيضا. كان علي ان اروي ما اعرفه عنه، والا اذكر كل ما اعرفه، لانه يمس الحياة الحميمة لدرويش مع كثيرات ممن أعرف ولا أعرف… وهنا تساءلت: هل اروي ما قالتْه نساء قبل وفاته وبعدها في نوع من… الدعاية المسبقة او المتأخرة لهن؟
محمود درويش مثل نزار قباني او عبد الحليم حافظ او جمال عبد الناصر او ام كلثوم مضوا من دون ذكريات، من دون سِيَر “مأذونة”، من دون وثائق، من دون شهادات عديدين ممن عرفوهم.
هذا تقع مسؤولياته على النجم، لانه يُخفي حياته مخافة خسران بعض الجمهور، مثل أسباب الاتفاق المعروف بين عبد الحليم حافظ وسعاد حسني (الزواج العرفي).
“النجم” تقليدي ثقافياً واجتماعياً بهذا المعنى، لا يعرف بل يرفض “صناعة النجم” في العصر الحديث، التي تتكل – في ما تتكل عليه – على السيرة والمذكرات والشهادات وغيرها.
نجومنا، مثل “كوكب الشرق”، يريدون إبقاء سيرتهم في عتمة الهالة. ولهذا تُصيبهم الإشاعات والإشاعات والاخبار المختلقة الكثيرة. فتكون أم كلثوم مثلية، ولدرويش اكثر من ابنة واحدة، وجبران عاجزاً جنسياً…
هذه الثقافة الاجتماعية الرائجة تجد مصدرها في الكبت سواء عند النجم او المعجَب به، وفي ثقافة القمع التي تنمي السر والإشاعة، مع ملاحظة: هناك من يُحسن “تشغيل” هذه الثقافة، وهناك من يكتفي برذاذ بهجة رخيصة.
نداء الوطن