الروائي طالب الرفاعي لـ«القبس»: «كورونا» غيّر شكل العالم.. وسأكتب عن قسوته على الإنسان

تطول الحروب البشر والعتاد، وربما تعصف بالبلدان، وتدفع بحشود من الناس إلى تغيير حياتهم، لكن ما فعله الفيروس التاجي «كورونا» قد يكون أكثر خفاء من الحرب وأبعد تأثيرا بكثير. فهو ليس مناورة على الحدود، بل يدخل معنا بيوتنا في صورة تحرز واحتياط من كل ما نلمسه، نعيد التفكير بالحياة وبالعلاقات الاجتماعية الحميمة كما بالأنشطة الاقتصادية، ومفاهيمنا عن الجسد كما تصورنا عن الثقافة. في حوارنا مع الكاتب والروائي طالب الرفاعي، مدير «الملتقى الثقافي» وجائزة «الملتقى» للقصة القصيرة، يرسم مشهدا للتغيرات التي طالت حياته الاجتماعية ونشاطه الثقافي أيضا. مع الرفاعي نستطلع كيفية تعافي الأنشطة الثقافية أو تعايشها على الأقل مع «الجائحة» بأداءات جديدة.

■ قطعت جائحة كورونا مع عاداتنا اليومية، ككاتب وروائي ومدير لنشاط ثقافي وجائزة مرموقة، كيف تعاملت مع هذا الوضع؟ – كما تعلم الحجر المنزلي كان قراراً إلزامياً للجميع، ليس في الكويت فقط، ولكن حول العالم، مما تطلب تكيّفاً معه. وبالنسبة لي احتجت لفترة كيف أرتّب ساعات بقائي في البيت، بين أفراد عائلتي وجدول قراءاتي وكتاباتي، ولم يكن ذلك بالأمر الهيّن أبداً. فتغيّر بيئة يومك بكتابتك وما يحيط بك، يجبرك على التأقلم مع عادات وأصوات وحركة ومناظر وروائح غير تلك التي اعتدتها وتعوّدت عليها. المهم، حاولت جهدي أن أوازن بين أخبار كورونا، التي تلاحق كلا منا طوال وقته، وبين بقائي مع زوجتي وابنتي، ومشاهدة القنوات الفضائية، وأخيراً، خلوتي مع القراءة والكتابة. فيما يخص نشاط «الملتقى الثقافي»، فهذه هي المرة الأولى التي يتوقف فيها منذ انطلاق موسمه الأول عام 2012/2011، ومؤكد أنه سيبقى معطلاً لحين تتضح أمور الجائحة، وبعدها سأتواصل مع الزملاء الأفاضل مؤسسي الملتقى وروّاده، ونتّفق معاً على شكل العودة. علماً بأن أحد زملاء الملتقى اقترح أن نواصل جلساته عبر أي من الدوائر الإلكترونية المعروفة، ولكني وآخرين فضّلنا الانتظار والتريث، خاصة أن أهم ما يلازم الملتقى الثقافي أنه صالون أدبي يُعقد في بيت، وبترحيب وحميمية بين جميع الأصدقاء الحضور. إلى إشعار آخر فيما يخص جائزة «الملتقى» قال الرفاعي: الأمر مختلف قليلاً بالنسبة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية، فجامعة الشرق الأوسط الامريكية AUM، هي راعي الجائزة وهي الممول المالي الوحيد لأنشطتها، لذا لزمني التواصل مع الأخ فهد العثمان، مؤسس ورئيس مجلس أمناء الجامعة، والذي أشار بضرورة الاتصال بالسادة أعضاء المجلس الاستشاري للجائزة من داخل الكويت وخارجها، حيث استقر رأي الجميع على إصدار بيان بتأجيل الدورة الخامسة للجائزة، إلى إشعار آخر. وهذا فعلاً ما تمَّ، وقد نُشر البيان في الصحافة العربية والعالمية، بما في ذلك جريدتكم الغراء. وعليه أصبحت عودة جائزة الملتقى لنشاطها، مرهونة بعودة جامعة الشرق الأوسط الأمريكية لمهامها الأكاديمية، ومن ثم الالتفات للجائزة. وكما تعلم فإن هذا الأمر يتوقف على أمور كثيرة خارج سيطرة الجائزة، منها الصحي والتعليمي والاجتماعي والمالي. رب ضارة نافعة

■ إذا فرض مبدأ التعايش في حال لم يتم التوصل لمصل شاف في القريب، كيف تواصل فعاليات النشاط الثقافي الذي كنت تديره؟ وهل تجد له صيغة أخرى مثلاً؟ – من أهم الوجوه التي كشفت عنها الجائحة، هو المزيد من إقبال الناس، في كل مكان، على التقنيات الإلكترونية المتعددة، وبالتالي في حال فُرض مبدأ التعايش، فمؤكد أن العودة ستكون متكيفة مع شكل من أشكال التواصل الافتراضي، كأن يكون عبر برنامج Zoom، أو أي برنامج مشابه. وبترتيب يتم الاتفاق عليه بين زملاء الملتقى، فكما تعلم «الملتقى الثقافي» تجمّع أدبي يديره وينظم فعالياته الأخوة الأفاضل المؤسسون والمشاركون في نشاطه. وقد يكون هذا الشكل الجديد بدءاً لمرحلة جديدة ومختلفة في نشاط الملتقى، يستطيع أن ينتقل خلالها من كونه صالونا أدبيا كويتيا يعقد جلساته محلياً، إلى أفق عربي وعالمي باستضافة وجوه ما كان ممكناً وصولها إلى الكويت ومشاركتها في أمسيات الملتقى، ولحظتها سنردد: رب ضارة نافعة. الواقع والخيال

■ صار الواقع مع كورونا رواية تكتب كل يوم، كروائي ألا يشكل الواقع الحالي تحدياً لخيال الكتاب؟ ولو قدر أن تكتب بعد مرور الجائحة من أي جهة ستتناول هذا الواقع؟ – «فانتازيا الواقع أكبر بكثير من فانتازيا الكتابة» هذه الجملة طالما ترددت على لسان أدباء من مختلف بقاع الأرض، ومؤكد أن مآسي الواقع العربي والإنسان العربي أكبر من أن تلمّ بها أي رواية، لذا فإن التساؤل: ألا يشكّل الواقع تحدياً لخيال الكاتب، يجيب عن نفسه بأن الواقع هو التحدي الدائم والرئيسي للكاتب، وبوجود كورونا أو عدمه، وأن حكايات الواقع، ومنعطفاته، ومفاجآته، وأحداثه غير المتوقعة في الصلب من مغامرة الكتابة. ومؤكد أن أعمالاً كثيرة ستنطلق لتحاكي جائحة كورونا، لكني لن أكتب عنه الآن. وإذا قُدِّر لي يوماً أن أكتب عن الجائحة فمؤكد أني سأكتب عن قسوة كورونا على الإنسان لتغيير خصاله وعاداته الشخصية، وكيف أن كوفيد – 19 زرع الخوف من الإنسان في فكر الإنسان، وأنه قد يجر البعض لشيء من العزلة كجزر قائمة بحالها.

■ ما تصورك عن عودة الأنشطة الثقافية الرسمية مع فتح المجال العام تدريجياً؟ – القرارات الحكومية حددت مواعيد لعودة العمل، وهي مواعيد تعين على رجوع الدماء لشرايين الجهات الحكومية بالتدريج، مع مراعاة جميع الإجراءات الصحية المطلوبة. وعليه فإن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سيعود تدريجياً لممارسة أنشطته، ومؤكد سيتم تدارس الأنشطة الأساسية، كمعرض الكويت الدولي للكتاب، ومهرجان القرين الثقافي، ومهرجان المسرح، والمعارض التشكيلية، وجميع الأنشطة المعروفة. سيكون الظرف مختلفا، بما يلزم التخطيط المبكّر لجميع الأنشطة، ودراسة كل العناصر المرتبطة بكل نشاط، بدءا بطبيعة النشاط، مروراً بالسادة المتحدثين، وأماكن الندوات، وأخيراً جمهور الحضور. ما يجب التوقف عنده، هو ما قد يلحق بميزانية المجلس الوطني من تقشف واختصار لبنود كثيرة، لذا يلزم إعادة برمجة الأنشطة لتكون بأقل تكلفة مالية ممكنة. وربما تكون جائحة كورونا، فرصة سانحة لإعادة النظر في بعض الأنشطة، والتدخل لتغيرها نحو الأفضل، وكذلك التخلي عن الصرف الخاص بالضيوف، وذلك عبر الاتفاق معهم للحديث من خلال الدوائر الإلكترونية.. كورونا غيّر وجه العالم، ومؤكد أنه سيغير من طبيعة الأنشطة الثقافية وعوالمها.

جريدة القبس